لماذا يحتاج العراق لمزيد من الاهتمام في حسابات الهند؟
شفق نيوز/ يمكن لبغداد أن تحتسب في حسابات الطاقة في الهند بشكل أكثر أهمية بالنظر إلى التطورات الجيوسياسية في الآونة الأخيرة، ومنها الأزمة الأوكرانية، وتجدد التوترات بين موسكو وواشنطن.
هذا وتحافظ الانقسامات الداخلية في أوروبا على سيطرة قوية في الخطاب الجيوسياسي العالمي، فان الاحداث التي تجري في غرب آسيا، كما هو الحال دائما، تقدم لمحة مثيرة للاهتمام عن ديناميكية إقليمية دائمة التطور للهند.
ومع استمرار الاهتمام العالمي بأوروبا، فإن التعليق الاخير للمحادثات بين السعودية وإيران التي يستضيفها العراق في بغداد أمر ملحوظ، وكانت المحادثات حاسمة لمجموعة متنوعة من الأسباب، بما في ذلك تلك التي كانت عبر وطنية بطبيعتها وليس فقط حول المنافسات الاقليمية وبؤر التوتر.
نفط العراق
وكان العراق أحد أكبر موردي النفط للهند لفترة طويلة، إلى جانب السعودية، إذ أن بروز بغداد في حسابات أمن الطاقة في الهند ليس جديدا، لكن تمثيلا جيوسياسيا دائماً بسبب طبيعة المعاملات، بينما فوجئ الكثيرون في الغرب بتجارة الهند المستمرة مع موسكو لشراء النفط الرخيص على هامش الصراع في أوكرانيا، فإن التعطش في نيودلهي لأمن الطاقة، الذي يغذي الاستقرار المحلي، يكون ملموسا دائما كدولة تستورد أكثر من 80% من احتياجاتها السنوية من النفط.
وما يزال العراق على الرغم من ثروته النفطية الهائلة، عملا سياسيا قيد التقدم، محشورا بين التنافس الاقليمي المتزايد بين المملكة العربية السعودية السنية وايران الشيعية، ويعتبر العراق ارضا عرقية وسطا بين هاتين الكتلتين السياسية والدينية.
وأدت الحرب العراقية الايرانية التي دامت ما يقرب من عقد من الزمان في الثمانينيات والغزو الكارثي الذي شنته الولايات المتحدة عام 2003 ، في اعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر الارهابية، الى تفتيت اي فرصة للدولة لاستعادة زخمها الاقتصادي واستقرارها السياسي، كما وأدى صعود الجماعات الإرهابية مثل داعش، الى مزيد من التاثير على افاق الامة بشكل كبير.
ولم يمض وقت طويل حتى خيمت خيال الهند على حالة 39 عاملا هنديا مفقودا في العراق في ذروة ما يسمى بمذبحة تنظيم داعش في البلاد، والتي اعلنت الحكومة الهندية وفاتها جميعا رسميا في عام 2018.
وساطة الكاظمي
محاولات العراق لجلب الرياض وطهران للجلوس على طاولة المفاوضات دفعت من قبل رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
ولم تكن المصالح الكامنة وراء هذه المحادثات مبنية على اي رغبة شاملة في ان يصبح الكاظمي وسيط سلام ، بل اجماع بين الاطراف الثلاثة على محاولة عدم جعل العراق ساحة معركة للمضي قدما.
وبدت الجهود الاولية التي بذلها الكاظمي مثمرة، ظاهريا على الأقل، حيث رأى الطرفان التبادلات في ضوء ايجابي. في وقت من الاوقات، وأشارت التقارير أيضا إلى أن السعوديين قد ينظرون في اعادة فتح سفارتهم في طهران التي ظلت مغلقة منذ عام 2016.
وبينما خفت احتمالات اعادة فتح البعثات ببطء، فان وصول الدبلوماسيين الايرانيين الى جدة في يناير 2022 كان يُنظر الى اعادة فتح مكتب تمثيلي ايران لدى منظمة التعاون الاسلامي (OIC) على انه تطور إيجابي.
مرحلة السوداني
وفيما بعد، شهدت رحلة السوداني الأخيرة إلى طهران قيادة ايرانية متورطة في الاحتجاجات دفعت بغداد الى العمل بشكل اكبر في المصالح الاستراتيجية لايران مع الترسخ اكثر في العراق اقتصاديا.
من منظور هندي ، نادرا ما تتسرب الكثير من مشكلات العراق جنوباً، وتحديدا نحو اماكن مثل البصرة، حيث يتم شحن الكثير من النفط عبر الخليج الفارسي ومضيق هرمز المضطرب.
وبينما يعتمد أمن الطاقة لدولة مثل الهند على انشاء سلسلة امداد موسعة ومتنوعة، فان التطورات الجيوسياسية في الماضي القريب ، جنبا الى جنب مع العقوبات ضد دول مثل ايران وروسيا وفنزويلا ، يمكن ان تجعل تغذية شهية الاقتصاد الهندي الشرهة للطاقة امرا صعبا.
واستفاد العراق بشكل كبير بعد ان توقفت الهند عن استيراد النفط من ايران، مع تصاعد التوترات بين طهران وواشنطن بشان مفاوضات الاتفاق النووي، مع تزايد العقوبات وسقوف النفط التي تستهدف موسكو، فإن التقلبات في كل من امدادات النفط واسعار النفط ستزداد فقط في الاشهر المقبلة، وربما حتى السنوات القادمة.
ارتباط نفطي
ويوفر هذا نافذة جيدة لنيودلهي لتوسيع نطاق ارتباطها ببغداد ، حيث كانت اخر زيارة مهمة رفيعة المستوى هي زيارة وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية ، ام جي اكبر ، الذي دعا القيادة العراقية في عام 2016، في حين ان العراق ما يزال معقدا سياسيا.
لكن مصالح الهند في مجال الطاقة في البلاد مهمة وستظل كذلك في العقد القادم حيث ستظل الهيدروكربونات مركزية في تغذية النمو الاقتصادي الهندي على الرغم من تحول الطاقة الجاري نحو الوقود البديل.
وكان تعامل الهند مع العراق هادئاً وإيجابيا، بصفتها اكبر ثلاثة مورّدين للنفط ، ومع رياح معاكسة كبيرة متوقعة في امن الطاقة العالمي جنبا الى جنب مع استثمارات الصين البطيئة والمطردة لتعزيز امن الطاقة الخاص بها في المستقبل ، وهو امتداد متجدد ستكون بغداد جيدة التوقيت ومفيدة اذا تم تنفيذها في المستقبل القريب جدا.