كهرباء العراق لغز يحيّر الخبراء.. تقرير يكشف "الصفقات الباطنية"
شفق نيوز/ نشرت وكالة "اسوشيتدبرس" الامريكية تقريرا حول أزمة الكهرباء المزمنة في العراق منذ عقود، وقالت ان كل وزير للكهرباء منذ الغزو العام 2003 كان أمام هذه المعادلة الرهيبة: يجب ان يكون العراق قادرا على انتاج اكثر من 30 الف ميغاواط من الطاقة، لكن نصف ذلك فقط يصل الى المستهلكين، مشيرة الى قضايا الفساد السياسي القائم.
واستهلت الوكالة الامريكية تقريرها بتناولها قصة "ابو عمار" المقيم في مدينة الصدر حيث علقت ملصقات الحملة الانتخابية بجانب غابات الاسلاك الكهربائية المتدلية في الزقاق المؤدي الى منزله، مشيرة الى انه لا يفكر نهائيا بالانتخابات المقررة في العاشر من اكتوبر المقبل.
وتابعت أن المخصصات المالية التي يتلقاها ابو عمار الجندي المتقاعد البالغ من العمر 56 عاما، من اجل الرعاية الاجتماعية، بالكاد تكفي لتكلفة الغذاء والدواء، ناهيك عن الكهرباء، مضيفة انه برغم الانقطاعات المزمنة في شبكة الكهرباء، الا انه لا يستطيع شراء مولد.
واضافت انه عندما تنقطع الكهرباء في منزله، لا يكون امامه خيار سوى سوى السرقة من الخط الكهربائي المخصص للجيران، ويشير الى انه لا يتمتع بالعلاقات السياسية المناسبة لضمان حصوله على الكهرباء. ويقول انه في هذا البلد، اذا لم تكن لديك هذه الاتصالات، "سيكون وضعك مثل وضعنا".
واعتبرت الوكالة ان الكهرباء في العراق رمز قوي للفساد المتفشي، والمتجذر في نظام تقاسم السلطة الطائفي، ما يسمح للنخبة السياسية باستغلال شبكات المحسوبية لتعزيز السلطة. واشارت الى انه بعد كل دورة انتخابية، يتنافس السياسيون على التعيينات من خلال مفاوضات بناء على عدد المقاعد التي فازوا بها، ولهذا، فان الحقائب الوزارية ومؤسسات الدولة يتم تقاسمها فيما بينهم لتكون بمثابة الى دوائر نفوذ.
واوضح التقرير انه في وزارة الكهرباء مثلا أتاح هذا قيام نظام من المدفوعات المالية السرية الى النخب السياسية التي تسحب اموال الدولة من الشركات التي يتم التعاقد معها من اجل تحسين تقديم الخدمات.
واوضح التقرير ان الوكالة تحدثت الى عشرات المسؤولين السابقين والحاليين في وزارة الكهرباء ومقاولي الشركات، وتحدثوا عن الشراكات الضمنية التي تم تأمينها من خلال الترهيب والمصلحة المتبادلة بين المسؤولين الذين يعينهم السياسيون والاحزاب والشركات، مما يضمن ان تنتهي نسبة مئوية من هذه الاموال في خزائن حزبية. تحدث جميع هؤلاء شريطة عدم الكشف عن هوياتهم لانهم يخشون انتقام القوى السياسية.
ونقل التقرير عن المتحدث باسم الوزارة احمد موسى "الفساد يحدث كفعل فردي او لمصلحة سياسية. يحدث ذلك في كل مكان في العراق، وليس فقط وزارة الكهرباء".
واشار التقرير الى ان العراقيين يشعرون بالغضب من ان بلدهم المنتج الرئيسي للنفط ويتمتع بموارد طاقة وفيرة، يظل احتمال توفير الكهرباء على مدار 24 ساعة، بمثابة حلم بعيد المنال.
ولفت الى ان انقطاعات الكهرباء تكون يومية في جميع أنحاء العراق وتصل الى 14 ساعة خلال ذروة الصيف في المقاطعات الجنوبية الفقيرة، حيث يمكن ان تصل درجات الحرارة الى 52 درجة مئوية.
واعتبرت الوكالة ان هذا الوضع بمثابة "لغز يحير خبراء الطاقة". ونقلت عن المسؤول في وكالة الطاقة الدولية علي الصفار قوله ان "الحلول التقنية واضحة، وهذا لا يتحقق، وعلى المرء ان يسال لماذا؟".
عقود الظل
وتناول التقرير تجربة رجل اعمال عراقي تلقى في حزيران/يونيو الماضي، اتصالا هاتفيا من ممثل اللجنة الاقتصادية للتيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر الذي حصل على اكبر عدد من المقاعد في انتخابات العام 2018. وتابع التقرير ان "المندوب عباس الكوفي اراد ان يلتقيه. وكان قد تم ابلاغه بان رجل الاعمال التقى بمسؤولين في وزارة الكهرباء لمناقشة مشروع بملايين الدولارات لزيادة تحصيل الرسوم المتعلقة بالفواتير المستحقة للحكومة على المستهلكين، والتي نادرا ما يتم دفعها في العراق".
وتابعت الوكالة انه خلال اللقاء في مكتب الكوفي، "جرى الطلب من رجل الاعمال لتسليم 15٪ من الارباح، نقدا، بمجرد توقيع الصفقة ودفع الوزارة الفواتير".
ونقلت عن رجل الاعمال قوله ان الكوفي قال له "ان وزارة الكهرباء ملك لي ولحزبي، وانه لا يمكنني فعل اي شيء من دون موافقته". واضاف رجل الاعمال "انهم لا يخجلون، ويقولون لك: اذا لم تتبعنا، فسوف نلحق بك الاذى".
ولفتت الوكالة الى ان الكوفي الذي كان سابقا قياديا في الفصائل التي حاربت ضد تنظيم داعش، هو مثال عن ممثلي الحزب الاقتصاديين الذين لديهم شركات قوية النفوذ.
واوضحت الوكالة نقلا عن مسؤولين في ست شركات منخرطة في هذه العملية منذ العام 2018، انه "من خلال التنسيق بين الموالين للوزارة ومسؤولي الشركات والنواب، يتم تعيين ممثلين مثل الكوفي لضمان الحصول على الموافقة على عقود محددة، كما يتم انتقاء مقاول من اختيارهم لتنفيذها وتسليم حصة الى الحزب".
واشارت الى ان اسم الكوفي تردد في وسائل الاعلام المحلية في يوليو/تموز عندما اتهمته رسالة يعتقد ان وزير الكهرباء السابق ماجد حنتوش صاغها، بتقويض عمل الوزارة، مضيفة ان حنتوش الذي استقال فيما بعد، نفى كتابته لهذه الرسالة.
ونقلت الوكالة عن رئيس الجناح السياسي للتيار الصدري نصار الربيعي قوله ان حزبه حصل على وزارة الكهرباء لانه فاز باكبر عدد من المقاعد البرلمانية في انتخابات العام 2018.
واشارت الى ان وزارة الكهرباء بسبب بميزانيتها العالية، هي من بين اكثر الوزارات سعيا للحصول عليها.
وقال الربيعي ان الكوفي شخصية صدرية بالفعل، لكنه نفى المزاعم الموجهة اليه او ضد الحركة ، قائلا انها بمثابة "افتراء". واضاف انه في حالة وجود وثائق تثبت تورط المسؤولين الصدريين، فانه سيحرص شخصيا على ملاحقتهم قضائيا في المحكمة.
ونقلت عن مقاولين قولهم ان الترهيب هو جزء تقليدي من مسار العمليات في وزارة الكهرباء. كما قال مسؤول في شركة كبرى متعددة الجنسيات لم يحدد اسمها، انه تلقى أمرا بالتعاقد من الباطن مع شركة محلية "حصريا" حيث يتم التفاوض مع الحكومة على حزمة من الصفقات بقيمة مليارات الدولارات. وقال المسؤول "لقد اوضحوا لي: اما ان تنضم الينا، او انك لن تحصل على شيء في النهاية".
وتابعت الوكالة انه من اجل تامين الاموال المخصصة ل"المكافآت"، يجري في بعض الاحيان اصدار فاتورة شراء مواد بكلفة أكبر مما تم شراؤه بالفعل. واضافت ان احد المسؤولين قدر الخسارة ب"المليارات" منذ العام 2003، لكن الارقام الدقيقة غير متوفرة.
وبحسب الوكالة، فان المسؤولين الذين يطرحون تساؤلات حول سبب تضخم اسعار العقود، يتلقون تحذيرات. ومن بين هؤلاء مسؤول اعترض على انشاء محطة كهرباء في محافظة صلاح الدين الشمالية، تجاوزت قيمتها 600 مليون دولار. قال انه تلقى مكالمة عندما اتضح انه لن يوقع على الصفقة، وقيل له "كن حذرا".
واستخلصت الوكالة الوضع بالقول ان "كل وزير للكهرباء منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة العام 2003 والذي اطاح بصدام حسين، واجه هذه المعادلة الرهيبة: يجب ان يكون العراق قادرا على انتاج اكثر من 30 الف ميغاواط من الطاقة، وهو ما يكفي لتلبية الطلب الحالي، لكن نصف ذلك فقط يصل الى المستهلكين".
واوضحت الوكالة ان البنية التحتية المتردية والوقود غير الملائم والسرقة مسؤولة كلها عن ما بين 40٪ و60٪ من الخسائر، وهي من بين اعلى المعدلات في العالم.
كما اشارت الى ان عملية تحصيل الايرادات من المشتركين تتم بشكل سيء، مضيفة ان الوزارة تقوم بتحصيل اقل من 10٪ من الفواتير. وتابعت انه في شهر ديسمبر/كانون الاول الماضي، اعلنت لجنة برلمانية ان 81 مليار دولار انفقت على قطاع الكهرباء منذ العام 2005 ، لكن الانقطاعات لا تزال هي الوضع القائم.
المستقبل قاتم
واكدت الوكالة انه من المقرر ان يتضاعف الطلب على الكهرباء بحلول العام 2030 مع نمو عدد سكان العراق بمقدار مليون نسمة سنويا. وتقدر وكالة الطاقة الدولية انه من خلال عدم تطوير قطاع الكهرباء، فان العراق خسر 120 مليار دولار بين عامي 2014 و2020 في الوظائف والنمو الصناعي بسبب الطلب غير المتوفر.