في يومهم العالمي.. أطفال العراق في عين العاصفة و"التغيرات المناخية" تضيف أزمة جديدة
شفق نيوز/ بينما يحتفل أطفال العالم باليوم العالمي، يواجه اقرانهم في العراق جُملة من التحديات والمشاكل الأساسية التي تفاقمت مع تداعيات الأوضاع الاقتصادية والبطالة وارتفاع معدلات الفقر، فضلاً عن الحروب والأزمات التي مرّت على البلاد، وفيما كان للتغيرات المناخية أثرها السلبي المستجد عليهم، يشكل الأطفال ما نسبته 13% من نسبة الامية المتفشية في البلاد، بحسب مسؤولين سابقين في مفوضية حقوق الانسان.
وبهذا الصدد يقول رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، إن "هناك ظواهر عديدة متفاقمة، آخرها التغيرات المناخية الحادة التي أثرت على حقوق الأطفال بنزوحهم بعد فقدان أسرهم موردهم الاقتصادي، في وقت لا يزال العديد من الأطفال يعانون في مخيمات النزوح".
ويتابع الغراوي حديثه لوكالة شفق نيوز، "بالإضافة إلى عمالة الأطفال واشتغالهم بالأعمال الشاقة لسد احتياجات العائلة الأساسية، وامتهانهم التسوّل، والتسرّب من المدارس، وعزوف الكثير منهم عن التعليم".
ويضيف قائلاً "فضلاً عن العنف الأسري الموجّه ضد الأطفال بصوره المتنوّعة، والذي تفاقم بشكل كبير خلال الفترة الماضية، وكذلك جنوح الأطفال، ولا يزال الأطفال فريسة لظاهرة الاتجار بالبشر، وبيع الأعضاء البشرية، وضحايا تجارة المخدرات".
ويشير إلى وجود "أعداد هائلة من الأطفال المشرّدين، أما الذين في دور الرعاية فهم نسبة قليلة لا تتناسب مع الكم الكبير للأطفال المشردين، إلى جانب الأعداد الهائلة من الأيتام التي ترعاهم الدور التابعة للمرجعية الدينية والمؤسسات التي تُقدم الدعم المباشر الإنساني للأيتام في ظل ضعف المنظومة الحكومية".
ويوضح، أن "هناك جهة حكومية رسمية تُعنى بالطفولة، وهي هيئة رعاية الطفولة التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وهناك سياسة وطنية للطفولة في العراق، لكن لا زال واقع الطفل بعيداً عن المنحى الأساسي لضمانات حقوق الإنسان والطفل التي أوردت في حقوق الطفل عام 1989، وصادق عليها العراق عام 1994".
المسؤول المعني بحقوق الانسان يؤكد أن "هذه المشاكل والتحديات العديدة التي يواجهها الطفل في العراق ظاهرة للعيان، ويوم الطفل العالمي هو فرصة إيجابية لتذكير المسؤولين الحكوميين بأهمية حقوق الطفل في العراق وإمكانية معالجة هذه الاشكاليات التي حدثت وستحدث للأطفال في المستقبل".
يشار إلى أن يوم الطفل العالمي أعلن في عام 1954 باعتباره مناسبة عالمية يُحتفل بها في 20 تشرين الأول/نوفمبر من كل عام، لتعزيز الترابط الدولي وإذكاء الوعي بين أطفال العالم وتحسين رفاههم.
وتأريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر مهم لأنه اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان حقوق الطفل في عام 1959، كما أنه كذلك تاريخ اعتماد الجمعية العامة اتفاقية حقوق الطفل في عام 1989.
ومنذ عام 1990، يحتفى باليوم العالمي للطفل بوصفه الذكرى السنوية لتاريخ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان حقوق الطفل وللاتفاقية المتعلقة بها.
نزوح الأطفال
تعصف بالعراق أزمات عدة منها النزوح الداخلي المتكرر من المناطق التي تشهد صراعات دموية إلى مدن أخرى بحثاً عن الأمان، لكن مُؤخراً شهدت البلاد عمليات نزوح مرتبطة بالتغيرات المناخية التي ألقت بتداعيات واسعة على البلاد.
وفي هذا السياق، تشير الناشطة بحقوق الطفل، شروق محمد، إلى أن "النزوح له تأثير سلبي ينعكس على حياة الأطفال وتكوينهم، إذ إن الطفل في بداية نشأته يتعلم على نظام وسلوك معيّن، ويكوّن أصدقاء ويرسم أحلام ليحققها في المستقبل".
وتضيف محمد لوكالة شفق نيوز، أنه "بسبب التغيرات المناخية والاحتباس الحراري وقلّة المياه، جفت الأهوار وتدهورت الثروة الحيوانية، ما تسببت بخسائر فادحة للسكّان".
وتابعت، "لذلك اضطر الأهالي إلى بيع ما تبقى لديهم من الثروة الحيوانية ولجأوا مع أطفالهم إلى المدن، ونتيجة لقلّة فرص العمل، اضطر الأطفال إلى مساعدة عوائلهم والبحث عن العمل أيضاً، ما أثر سلباً على حياتهم".
وتوضح، أن "لجوء أطفال القرى والأرياف إلى المدن يتطلب منهم إعادة التأقلم وفق المكان الجديد في المدينة، إذ تختلف اللكنة والملابس وغيرها، ما يعني البدء بحياة جديدة كأنهم ولدوا حديثاً".
وتُعرِّف منظمة العمل الدولية عمالة الأطفال بأنها "عمل يحرم الأطفال من طفولتهم وإمكاناتهم وكرامتهم، ويضر بنموهم البدني والعقلي".
ومنذ عام 2002، حثت منظمة العمل الدولية المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات فورية وفعالة لإلغاء وحظر عمل الأطفال بأي شكل من الأشكال.
وكانت منظمة العمل الدولية وضعت مجموعة من المعايير عام 1999 لتسريع جهودها للقضاء على عمالة الأطفال والاتجار بالبشر من أي نوع.
إحصائيات مقلقة
من جهته، يقول العضو السابق بمفوضية حقوق الإنسان، أنس العزاوي، إن "نسبة الأمية في العراق تقدر بـ47%، بحسب إحصائيات اليونيسف، فيما يشكل الأطفال من هم دون سن (10 سنوات) ما يقارب 13% منهم"، لافتاً إلى أن "هذه الإحصائيات متغيرة وفقاً للتقديرات السنوية، وفي كثير من الأحيان لا تتطابق الإحصائيات الحكومية مع الإحصائيات الأممية".
وينبّه العزاوي خلال حديث سابق لوكالة شفق نيوز إلى أن "إحصائيات وزارة التخطيط تقدر الأطفال في سوق العمل بحدود 900 ألف طفل".
ويؤكد أن "الطفل العراقي لكي يتمتع بالحقوق الدستورية الأساسية يحتاج الى تشريع قانوني حماية حقوق الطفل ومناهضة العنف الأسري، وتنفيذ اتفاقية حقوق الطفل، وتعديل الأنظمة والتعليمات الخاصة بالطفل في المؤسسات الحكومية، وتعديل النصوص العقابية الخاصة بالأطفال والأحداث بقانون العقوبات العراقي".
عنف جسدي ولفظي
"يتعرض الطفل في العراق إلى العنف الجسدي واللفظي سواء من الأهل أو المدرسة أو الأقرباء أو حتى من الشارع"، وفق رئيس جمعية حماية وتطوير الأسرة العراقية، حقي كريم هادي، مبيناً أن "هذا العنف هو نتيجة عدم تشريع قانون العنف الأسري وقانون حماية الطفل في العراق".
ويدعو هادي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، "الحكومة إلى تفعيل قوانين الأمم المتحدة والدولية، لحماية الطفل من العنف الأسري"، موضحاً أن "العنف الأسري يخضع للمزايدات السياسية، لذلك لا توجد له معالجات".
وكانت دائرة العلاقات العامة في مجلس القضاء الأعلى، نشرت إحصائية عن معدلات العنف الأسري فيما يخص الأطفال والنساء وكبار السن خلال عامي 2021 و2022.
وأوضحت الإحصائية أن "المحاكم سجلت 1141 دعوى عنف أسري ضد الأطفال، وكان لمحكمة استئناف بغداد الكرخ النصيب الأكبر بواقع 267 دعوى".
وبحسب الخبير القانوني علي التميمي، فإن "المادة 41 من قانون العقوبات تتيح للزوج والآباء والمعلمين حق التأديب في حدود الشرع والقانون"، منبهاً بأن "نص المادة المذكورة فضفاض يُساء استخدامه ويجعل المحكمة مُقيّدة في المساءلة، وتم الطعن في هذه المادة أمام المحكمة الاتحادية لمخالفتها المواد 14 و29 و30 من الدستور لكنها ردت".
ويبين التميمي لوكالة شفق نيوز أن "الإنسان - كما يقول علم النفس الجنائي - يتأثر في المراحل الأولى من حياته (من 5 إلى 15 سنة)"، مؤكداً أن "مثل هذه الجرائم تُحطّم هؤلاء الصغار وتجعلهم حاقدين على المجتمع وحتى مُجرمين".
ويتابع، أن "هذه الجرائم تُخالف اتفاقيات الطفل وميثاق العهد الدولي وحقوق الإنسان، لهذا أصبحت الحاجة مُلحّة لتشريع قانون الحماية من العنف الأسري، كما فعل إقليم كوردستان وشرّع هذا القانون".
ومنذ العام 2020، أقرّ مجلس الوزراء العراقي مشروع قانون "مناهضة العنف الأسري"، وأرسله إلى البرلمان، لكن القانون لم يُقرّ حتى الآن بسبب معارضته من جهات سياسية في البرلمان، وخصوصاً تلك المنتمية إلى الأحزاب الدينية.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد حذرت من تبعات العنف المتمادي ضد الأطفال العراقيين، والذي يبلغ مستويات خطيرة، حيث ذكرت المنظمة في تقاريرها أن أربعة من بين كل خمسة أطفال في العراق يتعرضون للعنف والضرب.
وأكدت المنظمة الأممية أنه ما من شيء يبرر العنف ضد طفل صغير، كما أن هذه الظاهرة لا بد من منعها ووقفها.
وطالبت يونيسف الحكومة العراقية بتكريس آليات رصد ومتابعة مرتكبي جرائم العنف والقتل بحق الأطفال وتقديمهم إلى المحاكمة.