صور.. الحياة تدب بتماثيل الموصل
شفق نيوز/ رمزياً، أكدت الموصل مجددا انتصارها على الإرهاب، فالتماثيل الشهيرة التي تميزها انتصبت مرة أخرى في ساحاتها، عكست تمسك هذه المدينة العريقة بالحياة، كأي مدينة أصيلة، هويتها روحها الخاصة.
وليس سهلاً على مدينة الموصل الخروج من آثار الخراب المادي والنفسي التي أنزلتها عصابات داعش بها ما بين عامي 2014 و2017، لكنها باعادة تماثيلها المميزة، تقول الموصل المعروفة بتاريخها وتنوعها العرقي والثقافي الغني، انها تكافح من أجل البقاء.
ففي وسط مشاهد الخراب والدمار في ساحة باب الطوب مركز مدينة الموصل، أعادت بلدية المدينة نصب أربعة تماثيل من بينها، فتاة الربيع الذي يرمز الى ربيع الموصل الذي يميزها عن شقيقاتها من المدن العراقية او كما يسمى "عنقاء ام الربيعين" وذلك بعد سنوات على غيابه عن الساحة بعد أن قام داعش بتدميره مع العديد من التماثيل التي كانت موجودة في المدينة تحت حجة أنها أصنام وأوثان.
وكانت مدينة الموصل سقطت بقبضة تنظيم داعش في العام 2014، وأمعن الإرهابيون فيها قتلاً وتخريباً وقمعاً وهم يحولونها إلى "عاصمة" لدولتهم المزعومة، حتى ان الساحات التي كانت تنتصب فيها التماثيل الشهيرة، تحولت إلى ساحات الإعدام والتعذيب والجلد، ما حفر ذكريات مؤلمة في أذهان الموصليين، قبل أن يعاد تحرير المدينة في العام 2017. ولهذا، فان عودة التماثيل مجددا، تبعث برسالة تحمل العديد من معاني الحياة بالنسبة إليهم.
وبمسافة ليست بعيدة عن تمثال العنقاء عاد تمثال أبي تمام أحد أبرز الشعراء العرب الذي عاش آخر مراحل حياته في المدينة، متوسطا شارع الكورنيش ومطلاً على ضفة النهر الغربية، ليعود مع عودته أول أسواق المدينة في ذلك الشارع وتدب الحياة والحركة التجارية فيه ايضاً.
وبالاضافة الى تمثالي "فتاة الربيع" و"أبو تمام"، عاد الى الحياة تمثالا "عثمان الموصلي" الذي يمثل الجزء الفني والموشحات الموصلية التي لم يجرؤ أحد من بعده على صناعة مثلها، و"تمثال السواس" الذي يعكس شهرة الموصل والموصليين بصناعة شراب السوس الذي يباع حتى الى المحافظات المجاورة.
وهي ليست مجرد منحوتات مادية، اذ تمثل هذه التماثيل جزءا من تاريخ الموصل وجانبا مهما من هويتها، ولهذا فان عودتها الى الساحات، أشاع في نفوس أبناء المدينة الكثير من الحيوية والتفاؤل، بأن صفحة داعش الدموية، تطوى فعلا، وأحيا ذكريات الموصليين معها.
من صنع هذه التماثيل؟
نحاتان من الموصل هما عمر الخفاف وخالد العبادي وهما من خريجي كلية الفنون الجميلة، وكانا وراء صناعة كل هذه التماثيل لوحدهما. وفي مقابلة خاصة مع وكالة شفق نيوز قال عمر الخفاف "انا وخالد أشبه باليد الواحدة في العمل وتشاركنا كل المصاعب والمشاكل في سبيل اعادة هذه التماثيل الى المدينة وصناعة تماثيل جديدة ايضا لم تكن موجودة".
ويقول عمر إن عودة هذه التماثيل التي دمرها الارهاب تمثل رسالة اطمئنان للموصليين بأن الحياة قد عادت وهوية مدينتهم لم تمحى وقد كسرت سطوة الارهاب فيها الى غير رجعة، مضيفا ان "لو كان للارهاب مكان في المدينة حتى الآن، لما استطعنا اعادة نحت هذه التماثيل".
وفيما يخص أجور العمل، يقول إن آخر شيء يفكران فيه هو المردود المادي، ولم يكن همهما سوى التعاون مع بلدية المدينة لإعادة التماثيل.
وأشار الخفاف الى ان ادارة البلدية قدرت موقفنا في التنازل عن نسبة كبيرة من الأجور وذلك لأن مخصصاتها لم تكن تكفي ولكن الإصرار على عودة هذه التماثيل أثمر نتائجه.
اما عن مكان تنفيذ أعمالهما الفنية هذه، فقال عمر إنهما ينحتان التماثيل في باحة منزله وذلك لتقليص التكاليف، مشيرا الى ان كل هذه التماثيل التي تم نحتها ونصبها خرجت من هنا، وهو يشير إلى باحة المنزل.
وتتحدث عمر أيضا عن حلمه الذي تحقق حيث قال انه كان يسير في الشوارع إبان سيطرة داعش على المدينة وينظر الى أماكن التماثيل المهدمة ويقول لنفسه "سأعيد بنائها ذات يوم وبالفعل تحقق الحلم ".
أول تمثال نحت بعد تحرير الموصل
قال عمر إن أول تمثال صنعه هو تمثال الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، وكان من المفترض أن يزاح الستار عنه في الجانب الأيسر من المدينة وذلك ردا لمواقف هذا الرجل مع الموصل أثناء عمليات التحرير ولكن أسباباً سياسية منعت هذا الأمر.
اما عن التمثال الأخير الذي يعمل عمر على نصبه فهو تمثال للخطاط الراحل يوسف ذنون الذي يعد من شيوخ الخطاطين على مستوى الشرق الاوسط، وقال ان تمثاله سينصب بعد أيام بالقرب من متحف المدينة تخليدا لهذه القامة الموصلية.
اما عن حلم عمر وخالد والانجاز الذي يبحثان عنه فهو القيام بعمل فني عالمي يخص الموصل ويحسب لها وأن يكون في مجال السلام تحديدا ليعكس الصورة الحقيقية عن هذه المدينة وشعبها بعكس ما كان ينظر اليها على انها مدينة للإرهاب بحسب ما قاله عمر.