داعش لم يهزم.. عناصر "العرض والطلب" في منع قيامته مجددا
شفق نيوز/ حذر موقع "غلوبال ريسك اينسايت" الاوروبي المتخصص بالابحاث من ان ايديولوجية تنظيم داعش لم تهزم رغم هزيمته الميدانية، وان العام 2020 شهد صعودا متزايدا بهجماته في العراق وسوريا وتنامي نفوذه في افغانستان وباكستان بالاضافة الى مناطق واسعة في قارة افريقيا.
وأشار الموقع الأوروبي الى داعش لم يعد يحتل عناوين وسائل الإعلام منذ خسارته آخر معركة له في الباغوز في سوريا في بداية العام 2019، وهزيمة "الخلافة" التي أنشأها، لكنه على الرغم من ذلك فإن ايديولوجيته لم تهزم، وهناك دلائل على انه يعيد تشكيل نفسه في الشرق الاوسط.
وذكر الموقع بداية بالهجوم الانتحاري في بغداد في 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، مضيفا ان داعش يظهر "القدرة والاستعداد" لاعادة السيطرة على الاراضي و السكك والموارد في كل من العراق وسوريا، وانه وفق تقييم المسؤولين العسكريين العراقيين، فانه هجماته اصبحت اكثر تعقيدا، وان جهوده لتجنيد الأعضاء الجدد متزايدة عبر الانترنت ويستحوذ على اموال كبيرة.
الشعبية.. الفوضى.. السياسات والوباء
واعتبر الموقع أن هناك عدد من العوامل التي تعكس "العرض والطلب" تساهم في إحياء داعش، هي شعبية ايديولوجية التنظيم، وفوضى المنطقة التي يتحرك فيها، والسياسات غير المتماسكة وغير المتناسقة والتي تتبع لمواجهته، بالاضافة طبعا الى وباء كورونا الذي يعرقل الحياة.
وبالنسبة الى مسألة الشعبية، فان الموقع حذر من أن خسارة الارض سينظر إليها بالنسبة إلى مؤيدي التنظيم، على أنها حالة مؤقتة في سياق الفكرة الاكبر للجهاد، وأن المكاسب الصغيرة سينظر إليها على أن انتصارات عظيمة.
واشار الى ان "النجاحات تقاس بالعقود الزمنية" وهو معيار زمني مختلف بالنسبة الى داعش، مقارنة ببقية العالم وليست الايديولوجية الخاصة بداعش دينية بطبيعتها بالضرورة، والمقاتلون تحثهم عوامل عدة بينها الأمن، والهوية والعدالة والمغامرة، وحتى الموت المحتمل. ويحظى داعش بشعبية لأنه يوفر للشباب والمحرومين والخائبين، بديلا. ويعرض التنظيم الانتماء والوجهة والوضع والمكافأة، وهو يفعل ذلك من خلال سياسة علاقات عامة وتجنيد شديدة التطور.
ورأى أن ذلك يمكن داعش من الاستفادة من المظالم المحلية حول العالم، ويلهم الحماس الثوري بين الجماعات البائسة. ومقابل كل مقاتل يقتل، يمكن تجنيد بديل عنه، ومقابل كل سنتيمتر من الأرض تتم خسارتها، يمكن لسنتيمتر آخر أن يستعاد لاحقا. وطالما ان الايديولوجية قادرة على البقاء، فإن التنظيم قادر على البقاء ايضا.
وبالنسبة الى عامل الفوضى، فان الظروف الاساسية التي ساهمت في انشاء داعش في العراق وسوريا، ما زالت قائمة، والتي من بينها الفراغ الامني الذي خلفه الغزو الاميركي للعراق، والامكانية الكبيرة لاستغلال النزاع في سوريا. وقد استفاد داعش من استغلال ضعف الاجهزة الامنية، والمظالم العرقية - الدينية، والثغرات في حدود دول الشرق الاوسط.
واضافة الى الاشارة للحرب السورية التي دخلت عامها العاشر والدولة فيها هشة وقابلة للاستغلال من جانب داعش، اعطى الموقع العراق كمثال على الفوضى مشيرا إلى أنه ما يزال يشهد اضطرابات شعبية بسبب البطالة والفساد والافتقار الى الخدمات الاساسية.والنفوذ الإيراني ووجود الميليشيات الموالية لها التي كانت في البداية بهدف محاربة داعش، تتسبب أيضا في خلق توترات بين الجماعات السنية والشيعية.
وبالنسبة الى عامل السياسات والاستراتيجيات المتبعة لمحاربة داعش والحرب الأوسع على الإرهاب، فإنها ربما تكون من الأسباب الأهم لاستمرار خطر داعش.
بروباغندا داعشية
واوضح الموقع ان الاجراءات العقابية مثل ضربات سلاح "الدرونز" والانتهاكات ضد سجناء أبو غريب ومعتقل غوانتانامو، كلها ساهمت في تضخيم خطاب "الغرب العدواني" في البروباغندا التي يعتمدها داعش.
واضاف ان اجراءات الغرب لمكافحة الإرهاب كالسياسة الوقائية البريطانية، ساهمت أكثر في تهميش الشباب المسلمين، وربما في دفع بعضهم نحو الارهاب. واضافة الى ذلك، هناك الافتقار الى استراتيجيات متجانسة ومتسقة على غرار ما فعله الرئيس السابق دونالد ترامب عندما قرر فجأة التخلي عن قوات سوريا الديمقراطية، الحليف الرئيسي في القتال ضد داعش.
وحذر الموقع من أن مخيمات النازحين والاحتجاز التي تضم عائلات أفراد داعش بالاضافة الى مراكز السجون لأفراد التنظيم، كلها تتحول الى قنبلة موقوتة.
كورونا وداعش
اما وباء كورونا، فانه وفر لداعش فرصة كبيرة من أجل استغلاله، ففيما تكافح حكومتا العراق وسوريا من أجل مواجهته، تراجعت امكانياتها من اجل التصدي لداعش. وبالنسبة الى العديد من المحللين، تزايد هجمات داعش خلال العام 2020، هو نتيجة مباشرة للثغرات الامنية التي نشأت بسبب الوباء، مثلما هو الحال بالنسبة الى بقية انحاء العالم.
واجبر الوباء الدول على التركيز على أوضاعها الداخلية وتراجع الاهتمام بالسياسات الخارجية كما جرى بالنسبة الى الولايات المتحدة.
في بداية العام 2020، دعا داعش الموالين له في الغرب على العمل من أجل نشر الوباء في "بلاد الصليبيين" وأن المسلمين الحقيقيين لن يصابوا به. وتعززت جهود التجنيد التي يقوم بها التنظيم، من خلال إبراز فشل حكومات العالم في حماية شعوبها من الوباء.
وفي الختام، يخلص تقرير "غلوبال ريسك اينسايت" الأوروبي، إلى القول إنه رغم الادعاءات بأن تنظيم داعش قد هزم، فإن خسارته للارض أضعفته لكنها لم تدمر التنظيم. وعلى المدى القصير، فإن عودة إحياء التنظيم، ستكون على الأرجح بطيئة وتدريجية، كما أن وباء كورونا وضع قيودا على السفر ورحلات الطيران وإجراءات دخول البلدان، وهو ما قيد نشاطات التنظيم المحتملة.
وخلق عدم الاستقرار وتقلبات السلطة في العراق وسوريا، فرصة لصالح داعش. وفيما تبدو القوات الامنية المحلية وهيئات الحكومات غير قادرة او لا تريد مواجهة المشكلة، فإن تشتت الأطراف الدولية المعنية بمواجهة مشكلاتها الصحية أو الاقتصادية أو السياسية، يساعد داعش على الاستمرار في النمو.
القط والفأر
واعتبر الموقع الاوروبي ان من المرجح أن العراق وسوريا ستشهدان نمطا تصاعديا في الهجمات على مؤسساتهما وبناهما التحتية ومواطنيهما. وستواجه القوات الامنية فيهما لعبة "القط والفأر" مع داعش الذي سيكون قادرا على السيطرة على أجزاء صغيرة من الأرض.
وعلى المدى الطويل، سيخلف وباء كورونا بحرا من الناس المتضررين والمهمشين الذين سيشعرون بالغضب وانعدام الأمان بأنه تم التخلي عنهم من جانب حكوماتهم. وحذر من أنه إذا ترافقت هذه الاوضاع مع مصاعب اقتصادية او خصوصا التمييز بحق مجموعة اجتماعية محددة، فإن ذلك سيشكل مجازفة بترك الأبواب مفتوحة واسعا بالنسبة لداعش للاستفادة من هذه المظالم المحلية من خلال حملات التجنيد على غرار ما فعلته في افريقيا وجنوب اسيا.
وبطبيعة الحال، فإن كل هذه الاحتمالات هي أيضا رهن بما إذا تم رسم سياسات على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
وبإمكان الدولة الموصوفة بأنها هشة، أن تعمل من أجل توزيع اكثر انصافا للموارد، ما قد يضعف إمكانيات الاستقطاب الإرهابي للمجندين. كما ان بامكان الجهود الاقليمية من اجل السلام من خلال خلق ظروف واضحة ومنسقة بشكل صحيح وتركز على الأمن البشري أكثر من تركيزها على المصالح الوطنية، ان تقلص مشاعر انعدام الأمان وتعزز قدرات القطاعات الامنية للتعامل بنجاح مع داعش.
أما على المستوى العالمي، فإنه يجب إعادة التفكير بالنماذج التي صاغت الحرب الشاملة على الارهاب، وتوضيح القوانين المرتبطة بالتعامل مع المقاتلين الارهابيين الاجانب التي توازن بين العدالة وحقوق الإنسان، وهو ما قد يعكس مسار الموجة على المدى الطويل في المعركة ضد داعش وغيرها من الجماعات الارهابية.
ترجمة: وكالة شفق نيوز