الموظفون المدنيون في "خلافة داعش": من هم وهل يشكلون خطراً؟
شفق نيوز/ لم تكن "خلافة داعش" تعتمد على المقاتلين المسلحين فقط، الذي ساهموا في انتشار سيطرة التنظيم "الارهابي" على اراضي العراق وسوريا، وقيل القليل عن دور "الموظفين المدنيين" في مشروع بناء "الخلافة" والذين ينقسمون الى فئتين رئيسيتين، "المبايعون" و"المناصرون".
ونشر "مركز مكافحة الارهاب" الامريكي دراسة مطولة تحت عنوان "لولانا لما كانت هناك دولة اسلامية: دور الموظفين المدنيين في الخلافة"، ترجمتها وكالة شفق نيوز، اشار فيه الى انه كان يتحتم على "دويلة داعش" الاعتماد بشكل كبير على الموظفين المدنيين لتزويد مؤسساتها الحاكمة بالموظفين.
ولفت التقرير الى ان القليل قد نشر حول دور هؤلاء الموظفين في تسيير امور "الخلافة"، ولهذا اجرى مقابلات مع 43 موظفا مدنيا سابقا في تنظيم داعش، أظهرت وجود فئتين متميزتين من هؤلاء الموظفين: اولئك الذين اصبحوا اعضاء كاملين في التنظيم (المبايعين) واولئك الذين لم يفعلوا ذلك (المناصرين).
وأضاف ان هناك اختلافات كبيرة في كيفية تعامل تنظيم داعش مع هاتين الفئتين، والوظائف التي تمكنوا من شغلها، والمخصصات المالية التي حصلوا عليها.
واعتبر التقرير ان فهم الفروقات الدقيقة بين هؤلاء يشكل مسألة مهمة في تقييم مسؤولية الموظفين المدنيين التابعين لداعش والخطر الذي قد يشكلونه في المستقبل.
محاكاة الدولة المعاصرة
واوضح التقرير ان تنظيم داعش قام خلال الاعوام ما بين 2014-2019 ، بتطبيق مشروع حكم طموح في العراق وسوريا حاول من خلاله تكرار ومحاكاة الوظائف والمؤسسات وهياكل الدول المعاصرة، مذكرا بان "دويلة داعش" في ذروتها، كانت تشكل مساحة تقارب 90 الف كيلومتر مربع (مساحة تعادل مساحة البرتغال) وان نحو ثمانية ملايين مدني كانوا يقيمون على اراضيه، وتباينت بشكل كبير حياة هؤلاء الناس في ظل ما سمي "الدولة الاسلامية".
وبينما فر مئات الالاف من المدنيين من اراضي داعش بأسرع ما امكنهم ذلك، فان العديد من المدنيين ظلوا منخرطين في اشكال متنوعة من المقاومة اليومية ضد المحتلين الدواعش، فيما كان عدد غير محدد من المدنيين ضحايا القتل الجماعي الممنهج والاغتصاب وسياسات التعذيب التي مارسها التنظيم.
وتابع التقرير ان هناك مجموعة من الاشخاص لم يحظوا باهتمام كبير، لكنهم أدوا أدوارا رئيسية في تطوير "الدولة الاسلامية"، وهم من الموظفين المدنيين المحليين في التنظيم من العراق وسوريا، وجرى توظيفهم من قبل احدى المؤسسات التابعة للتنظيم، من اجل القيام بدور محدد مقابل رواتب، بالاضافة الى مكافآت مالية ومادية اخرى في احيان كثيرة.
واضاف ان موظفي "الدولة الاسلامية" المدنيين، لم يقوموا بمبايعة التنظيم بالضرورة، ولم يصبحوا بالضرورة اعضاء فيه. لكن بشكل عام، كان الموظفون المدنيون اساسيين في عمل "الدولة".
موظفون جاهزون لإحياء "الدولة"
واشار التقرير الى وجود عدة الاف من الموظفين المدنيين السابقين لدى تنظيم داعش، والذين ما زالوا احياء، وهم يشكلون تحديا كبيرا، وان العديد من الموظفين المدنيين من الباقين في مجتمعاتهم ما زالوا يمثلون قوة عاملة محتملة لاي تكرار في المستقبل لـ"الدولة الاسلامية".
وبرغم ذلك، فقد اشار التقرير الى انه تم احتجاز اعداد كبيرة ايضا في العراق وسوريا، مع وجود درجة محدودة من العدالة الانتقالية ومن عمليات اعادة الدمج.
ووفقا لمنظمة "هيومان رايتش ووتش"، فان موظفين مدنيين عراقيين مرتبطين ب"الدولة الاسلامية" تعرضوا للقمع بسبب ادوارهم في مساعدة او توفير الدعم لمنظمة ارهابية.
واوضح التقرير ان محاكم في شمال شرق سوريا تعمل تحت سلطة قوات سوريا الديمقراطية والادارة الذاتية، طبقت تمييزا بين العضوية المدنية والعضوية المسلحة في تنظيم داعش، مشيرة الى ان عقوبة الموظفين المدنيين هي السجن لمدة سنة الى سنتين بدلا من 5 الى 10 سنوات.
وبرغم ذلك، يلفت التقرير الى انه حتى حلول العام 2021، جرت مقاضاة 8 الاف سوري فقط في هذه المحاكم، فيما تشير التقديرات الى ان الامر سيستغرق 13 عاما اخرى على الاقل لمحاكمة السوريين المحتجزين في هذه المعسكرات، دون احتساب العراقيين او غيرهم من الاجانب المعتقلين حاليا في شمال شرق سوريا.
19 محافظة في "دولة داعش"
ويتناول تقرير المركز مقابلات اجراها مع 43 موظفا مدنيا سابقا في تنظيم داعش في العراق وتركيا ولبنان، عملوا في "الدولة الاسلامية" لفترة ثلاثة اشهر على الاقل بين عامي 2014 و 2019.
وبعدما لفت التقرير الى انه كان لدى "الدولة الاسلامية رؤية واضحة لهيكل دولتها"، يوضح انه على المستوى الفيدرالي، كان يتزعم "الخليفة" الدولة كرئيس تنفيذي، مكلف بضمان ان اشكال الحكم كافة متماشية مع مفهوم التنظيم للشريعة.
وكان "الخيلفة" مدعوما من قبل مجلس الشورى، المكون من 6 الى 12 من رجال الدين، الذين يختارون الخليفة الجديد اذا اقتضى الامر.
واضاف التقرير انه على مستوى المحافظات، جرى تقسيم "الدولة" بين كل من العراق وسوريا الى 19 محافظة تتماشى تقريبا مع حدود المحافظات السابقة للدولتين العراقية والسورية، وانه في داخل كل محافظة، قام "الخليفة" بتعيين حاكم يكون مسؤولا عن ادارة وامن المقاطعة، ولكنه كان مسؤولا في النهاية امام لجنة.
كما ان داعش وضع تصورات تتمثل بوجود 14 مكتبا وزاريا في كل محافظة تحت اشراف الحاكم، وانه بالاضافة الى هذه المؤسسات الاقليمية، كان لدى "الدولة" ستة مكاتب ولجان متخصصة اخرى تشتمل على مكتب محدد لنشاطاته الاعلامية وادارة الوافدين من الاعضاء الاجانب.
واوضح التقرير انه برغم ان "الدولة" كانت تسيطر على 13 من مقاطعاتها الـ19 المخطط لها وتنوعت فعاليتها في تنفيذ سلطتها، الا ان "الدولة" قد شكلت عددا كبيرا من هيئات حكم في بعض مقاطعاتها، بما في ذلك وزارات ومكاتب مخصصة للرعاية الصحية والتعليم والضرائب، والخدمات العامة، والزراعة والعقارات والقضاء والشرطة الاسلامية، والامن الى جانب هيئات اخرى كثيرة.
وقال التقرير انه في مثل تلك المحافظات مثل نينوى والرقة حيث واجه داعش مقاومة مسلحة اقل خلال المراحل الاولى من استيلائه عليهما، فرض سيطرته لفترة أطول، وتمكن من تأسيس هذه المجموعة الكاملة من المؤسسات الحاكمة.
وفي المقابل، فانه في محافظات مثل حمص وكركوك وحلب، حيث كانت "الدولة" تفرض سيطرتها بشكل متقطع وكانت محاولات الاستيلاء عليها خاضعة للتنازع بالقوة، لم يتمكن داعش من توسيع سلطة دولته على اكثر من جوانب الامن الاساسي والشرطة والقضاء.
60 ألف داعش في العراق
وبحسب وثائق كشوف رواتب داعش والذي جرى نشره في يونيو/حزيران 2021 من قبل الباحث في مركز مكافحة الارهاب دانييل ميلتون، فانه كان لدى التنظيم ما لا يقل عن 60 الف شخص في اواخر العام 2016 وحده في جدول الرواتب في العراق، على الرغم من ان هذا العدد يشمل ما يقرب من 13 الف متوفى (مقتول).
وتضم هذه الوثائق اسماء المبايعين من المدنيين، لكن لا يمكن القول بشكل مؤكد انها تتضمن ايضا المناصرين (مدنيون لم يبايعوا بعد).
لكن بحسب وثيقة من الادارة المركزية للموارد البشرية في "الدولة الاسلامية" فانها تشير الى التالي: "في حالة استمرار مناصر جديد في العمل في صفوف الدولة الاسلامية داخل القطاع، فانه اولا ينضم لمدة 30 يوما، فيحق لهذا الاخ المناصر ان يعطي البيعة ويصدر له رقم احصائي، ويدفع له راتبه الشهري".
ويعني ذلك، انه بعد فترة الاختبار 30 يوما، يتم تزويد المناصرين برقم تعداد، وراتب شهري، وخيار اداء قسم الولاء، وبالتالي الانضمام الى فئة المبايعين. لكن التقرير لم يجزم بدقة هذه المعلومات وحدها في تحديد فئة المناصر والمبايع.
وايضا بحسب الوثائق، فان 18.5% من الموظفين الموجودين على كشوف الرواتب، والذين يمكن تصنيفهم الى وزارة محددة كانوا موظفين في مؤسسات الحكم غير العسكرية التابعة لـ"الدولة الاسلامية" مع وجود اكبر نسبة من الاشخاص الذين يعملون من اجل هيئة "الحكم والمظالم" والامن العام ومكاتب التعليم، كما تم تكليف الباقين بالعمل في وزارة التجنيد.
وهناك اكثر من 11 الف شخص من موظفي "الدولة" كانوا يعملون في مرحلة ما في وظائف وادوار مدنية في العراق وحده.
ولفت التقرير الى انه اذا تم الافتراض ان الجانب السوري من عمل داعش، متشابه، فبالإمكان الافتراض ان اكثر من 22 الف موظف عملوا في مرحلة ما في وظائف "مدنية" في كلا البلدين، ولهذا، يعتبر التقرير انه بالنظر الى ان هؤلاء الافراد لم يؤدوا ادوارا قتالية، فانه يمكن الافتراض ان نسبة كبيرة قد تصل الى عدة الاف، نجت من الصراع.
تجنيد العلماء والدعاة والقضاة
وذكر التقرير ان داعش لم يستطع الاعتماد بشكل كامل على موظفين من اعضائه الاجانب والمحليين فقط، وكان عليه بالتالي الاعتماد على الموظفين المدنيين لتأمين الخبرات والكفاءات التي لا يستطيع اعضاء التنظيم انفسهم توفيرها.
ولهذا، ذكر التقرير ان زعيم داعش ابو بكر البغدادي دعا في اول خطاب له بالفيديو كـ"خليفة" في 4 يوليو/تموز العام 2014 الى تجنيد "العلماء، والفقهاء، والدعاة، والقضاة ، وكذلك الاشخاص العسكريين والاداريين، والاطباء والمهندسين من جميع التخصصات والمجالات والممرضين".
وتناول التقرير مرحلة حساسة من مراحل انتشار التنظيم، حيث انه مع مرور الوقت تبدلت العلاقة مع هؤلاء الموظفين، حيث تراجع اعتماد "الدولة الاسلامية" على موظفيها المدنيين، مع تقلص سيطرتها على الاراضي، واعاد التنظيم في كثير من الاحيان توجيه ما تبقى من موارده البشرية والمادية الى المهمات الامنية والعسكرية او سحبها بالكامل الى معاقله الاخيرة المتبقية، بدلا من الاستمرار بمحاولة ادارة وتوظيف بنية تحتية حاكمة كاملة في المناطق التي كان لديه سيطرة ضعيفة عليها.
كما اشار الى ان الموظفين الذين كانوا يشغلون مناصب قيادية ومسؤوليات داخل "الدولة الاسلامية"، بما في ذلك "امراء" مكاتب الحكم المحلي واعضاء الحسبة (شرطة الاخلاق) والشرطة الاسلامية، كان مطلوبا منهم ان يكونوا من المبايعين للتنظيم، ولم يكن التنظيم يثق في المناصرين للقيام بهذه الادوار الرئيسية، وبالتالي، فان هذه المناصب تولاها العراقيون والسوريون واعضاء التنظيم الاجانب وعينوا في هذه المناصب بسبب ولائهم لا بسبب كفاءاتهم.
ونقل التقرير عن احد المحامين الذي كان يعمل لدى "الدولة"، امير ديوان الصحة المصري قوله "لقد كان احمقا، رغم انه من المفروض انه حامل لشهادة الطب من مصر، واضطررنا الى طلب ادويتنا ومعداتنا من خلاله للمستشفى، ورفض العديد من الطلبات بلا سبب ولم يستمع الينا، وادخل معايير جديدة حول علاج المرضى ادت الى العديد من الوفيات التي كان من الممكن تجنبها".
تمييز طبقي
وكان هناك تمييز واضح في الرواتب بين الفئتين، وان تخفيضا على الرواتب طبق بنسبة 50% للمقاتلين تم الاعلان عنه في تشرين الثاني وكانون الاول العام 2015.
وفي الموصل مثلا، في العام 2016، كان المناصر يتقاضى 95 دولارا شهريا، بينما يتقاضى المبايع ما لا يقل عن 450 دولارا شهريا كمرتب اساسي.
حصل طبيب في العام 2015 في "محافظة البركة" على 150 دولارا شهريا بينما ادعى ان الاطباء الذين بايعوا داعش، على 1000 دولار شهريا.
وتوسع هذا الفارق الكبير في الرواتب الى المؤسسات العسكرية، وكان مقاتل سابق في الجيش السوري الحر، حارب في صفوف تنظيم داعش في كتيبة المناصرين في دير الزور في العام 2015 يحصل على 40 دولارا فقط شهريا، مقارنة بمسلحي داعش الذين حصلوا على ما بين 70 الى 100 دولار امريكي، بالاضافة الى مكافآت.
التمييز بين الفئتين طال ايضا طبيعة المهمات الموكلة اليهم. ففي احيان كثيرة كانت العديد من المهمات الخطيرة توكل الى افراد او مجموعات من المناصرين وليس الى المبايعين. فقد اشتكى مناصر يعمل في مديرية الكهرباء في مدينة الميادين السورية من انه تم ارساله وهو موظف مدني لإصلاح كابلات كهربائية معطلة خارج المدينة بالقرب من الخطوط الامامية، بينما كلف احد المبايعين بأعمال ورقية او عمليات تفتيش اكثر للكهرباء المنزلية.
كما اشتكى مقاتل من تنظيم داعش من دير الزور من ارسال كتائبهم المكونة بالكامل من المناصرين الى الخطوط الامامية، والمرابطة هناك لخمسة شهور، وفق اوامر من قيادي داعشي "ولم يكن يهمهم ان كنا عشنا او متنا".
ولفت التقرير الى ان داعش حاول في كثير من الاحيان تحويل موظفيه المدنيين الى مبايعين من خلال دفعهم الى مبايعة البغدادي، واستخدم مزيجا من الاساليب القسرية والحوافز المالية والمادية، بما في ذلك زيادة الرواتب الشهرية، الترقيات، وفوائد الاسكان والسيارات والدراجات النارية والكهرباء.
وطال ذلك الاغراء التحفيزي ايضا الموظفين والمهندسين في قطاع النفط. وقال عامل في حقل العامر النفطي في سوريا ان "الامير" عرض على الموظفين ان يصبحوا مبايعين، بمضاعفة الراتب المكون من 450 دولارا والترقية لتولي الاشراف على المصفاة. وقال "كان المال مثيرا للاغراء بالنسبة لي".
وازداد ضغط داعش على موظفيه المدنيين ليصبحوا مبايعين خاصة بعد تراجع العدد الاجمالي لموظفي "الدولة"، اما بسبب مغادرة الموظفين او بسبب قتلهم على يد قوات التحالف المناهض للارهاب.
واشار العديد من الاشخاص الى انهم تخلوا عن وظائفهم بشكل استباقي بسبب الضغط الذي مورس معهم للانضمام الى التنظيم والخوف من ان يتم تجنيدهم بالقوة في نهاية المطاف واجبارهم على التحول الى مبايعين بالرغم عن ارادتهم.
واشار التقرير الى ان تداخل عناصر العمل والتوظيف والولاء والمبايعة له اثاره على كل من مكافحة الارهاب وجهود الملاحقة القضائية المستمرة ضد داعش.
واضاف ان هناك ميلاً للافتراض ان موظفي داعش كانوا على دراية تامة بالجهة التي يعملون لصالحها، وبالتالي فهم هدف مشروع للملاحقات القضائية. لكن هناك نقاش اخر يتعلق بالاطار القانوني لذلك، وما اذا كان يجب مثلا معاقبة الطبيب الذي استمر في علاج المدنيين في قريته او بلدته، ولكنه فعل ذلك وهو مدرج على جدول رواتب داعش؟.
وقال العديد من الذين تمت مقابلتهم انهم تركوا مناصبهم وفروا من اراضي داعش ردا على تصرفات التنظيم والهجمات المتزايدة من قبل القوات المحلية والتحالف العالمي المناهض لداعش. كما انه في بداية حكم داعش، فان الموظفين المدنيين الذين غادروا البلاد جازفوا بتعرضهم لاعمال انتقامية مميتة ضد عائلاتهم ومصادرة ممتلكاتهم وخطر الانتقام من انصار داعش.
وتظهر المقابلات الاستقالة من العمل كموظف في "الدولة" اصبحت اكثر سهولة مع تراجع مشروع داعش وضعف السيطرة على موظفيه واراضيه.
كما استقال العديد من الموظفين المدنيين عندما خفض داعش رواتب ومزايا الموظفين او اوقف دفع رواتبهم تماما. وحاول اخرون الاستقالة والمغادرة لكنهم احيانا كانوا يتلقون تهديدات بالقتل او اتهامهم بالردة.
فرار ومقاومة
وتابع التقرير بالقول ان "درجة المسؤولية الاخلاقية التي يتحملها الموظفون المدنيون في الدولة الاسلامية، معقدة، ومن المتوقع ان المدنيين العاملين في جماعة ارهابية مسلحة لن تكون لديهم قدرة على التصدي للتنظيم بسبب قوته، وان الواقع يقول انه لم يكن لدى العديد من الموظفين المدنيين في ظل الدولة الاسلامية خيار سوى اتباع تعليمات التنظيم بسبب الخوف من العواقب على انفسهم وعائلاتهم".
ومع ذلك، يقول التقرير انه "سيكون من الخطأ استنتاج ان الموظفين ليس لديهم وكالة اخلاقية، وان بعض الموظفين المدنيين في الدولة الاسلامية اكتشفوا وسائل للرد والمقاومة ضد التنظيم".
وقال رجل اعمال من تدمر، فر في البداية الى تركيا ثم عاد وعمل مع "الدولة الاسلامية" لمدة عام ونصف، ان تخصصه العالي سمح له بتحديد مطالبه الخاصة، موضحا "يمكنني وضع حدود خاصة بي مع داعش. لقد احتاجوا الى شبكتي وعاملوني ودفعوا لي جيدا. لقد حاولوا اخذ هاتفي بعيدا عني واغلاق عملي على الانترنت. رفضت وشرحت انني بحاجة اليه للعمل وسمحوا لي بالاحتفاظ به".
نظرة مستقبلية وخاتمة
وختم التقرير بالقول "ان فهم الدور الفريد الذي لعبه موظفو الدولة الاسلامية المدنيون، ضروري لتحليل التطور الحالي والتكرارات المستقبلية المحتملة لداعش في العراق وسوريا".
واضاف انه من المفترض ان العديد من الموظفين المدنيين في "الدولة الاسلامية" كانوا قادرين على الاستمرار في العيش في منطقتهم المحلية، ومع ذلك، فقد جرى احتجاز العديد من الموظفين المدنيين في مخيمات عراقية او سورية للاشتباه بانهم ينتمون لتنظيم داعش وتم ايواؤهم الى جانب مقاتلي داعش في ظل احتمالات محدودة لمواجهة الملاحقة القضائية في المدى القريب او العدالة الانتقالية او مبادرات اعادة التأهيل.
وتابع انه بالنظر الى حجم القوة العاملة المدنية التابعة لتنظيم داعش، فهناك افتراض ان عددا كبيرا من المحتجزين الذين يشتبه في صلتهم بالتنظيم والذين تم احتجازهم في العراق وسوريا، كانوا موظفين مدنيين ويفترض انهم بأعداد كبيرة ولا يزالون على قيد الحياة.
واضاف ان العراقيين والسوريين يختلفون حول معاقبة موظفي داعش المدنيين اعتمادا على تصرفات الموظف المدني والدور الذي كان يؤديه.
وتابع التقري "من المؤكد ان العديد من المبايعين اجبروا على الانضمام الى الدولة الاسلامية، وبرغم ذلك فان بيانات المقابلات تشير الى ان هناك العديد من الموظفين المدنيين الذين تجاهلوا مطالب داعش واختاروا البقاء كمناصرين بدلا من ان يصبحوا اعضاء برغم تلقيهم تهديدات بالعنف المباشر والحوافز المادية والمالية".
واشار الى انه "بشكل عام، فان الاتجاه داخل سلطات الادعاء، وفي اوساط مجتمع مكافحة الارهاب الاوسع عامة، كان لعدم التمييز بين هاتين الفئتين من الموظفين ومعاملة المنتسبين لتنظيم داعش على انهم فئة واحدة متجانسة".
لكن هذا التقرير اظهر ان "هناك اختلافات جوهرية بين الفئتين"، وانه "يجب ان ينصب تركيز سلطات الادعاء ومجتمع مكافحة الارهاب، على محاكمة المبايعين الذين انضموا بإرادتهم الى التنظيم".
وخلص التقرير الى التحذير من ان تنظيم داعش ما يزال يحتفظ بطموحه في بناء "الدولة" برغبة ايديولوجية واستعادة "الخلافة المنهارة"، وان اي محاولة لداعش لاعادة بناء دولته مرة اخرى ستتطلب استخداما مكثفا للموظفين المدنيين، ولهذا، يمثل الالاف من الموظفين المدنيين السابقين الباقين على قيد الحياة مجموعة تجنيد محتملة لقوى عاملة مستقبلية لمشروع خلافة اخر تابع لتنظيم داعش.