العراق على حافة العطش.. تحذيرات من أزمة مياه غير مسبوقة
شفق نيوز/ مضخة مياه متوقفة في ذي قار 25 تموز 2025
شفق نيوز- بغداد
يحذر أكاديميون ومختصون في الموارد المائية والهندسة البيئية من أن العراق يواجه واحدة من أخطر أزمات المياه في تاريخه الحديث، مؤكدين أن البلاد باتت فعلياً "على حافة العطش"، في ظل التغيرات المناخية وسوء إدارة الموارد وتراجع الإطلاقات المائية من دول المنبع.
جاء ذلك خلال ندوة علمية موسعة أقامتها كلية الهندسة في جامعة القاسم الخضراء، بمشاركة البيت الثقافي في القاسم التابع لدائرة العلاقات الثقافية العامة في وزارة الثقافة والسياحة، ناقشت الندوة واقع شح المياه وسبل المواجهة وأهمية ترسيخ ثقافة ترشيد الاستهلاك.
وتقول اختصاص هندسة الموارد المائية، هالة كاظم تايه، إن التغيرات المناخية والاحتباس الحراري أصبحت من أخطر التحديات العالمية، وإن العراق يُعد من أكثر البلدان تأثراً بسبب وقوعه ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة.
وتوضح تايه لوكالة شفق نيوز أن طبيعة العراق الطبوغرافية كمنطقة منخفضة تجعله عرضة لتأثيرات السيول والفيضانات المؤقتة، التي لا يتم استثمارها بالشكل الأمثل، مشيرة إلى أن من أهم الحلول الحديثة هو إنشاء السدود الجوفية وحصاد مياه الأمطار، لما لها من دور كبير في الخزن المائي وتقليل الضياع.
وتضيف أن العراق ما زال يعتمد بشكل كبير على المحطات الغازية في إنتاج الطاقة، داعية إلى التوسع باستخدام الطاقة الشمسية بوصفها طاقة نظيفة ومستدامة، في حين تبقى طاقة الرياح محدودة الجدوى بسبب طبيعة المناخ المحلي.
من جانبه، يؤكد اختصاص هندسة مدنية صحية وبيئية غسان محمد، أن العراق مقبل على "حرب مياه" حقيقية في السنوات القادمة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة، مشيراً إلى أن الحلول لا يجب أن تكون هندسية فقط، بل اقتصادية وسياسية أيضاً.
ويوضح محمد لوكالة شفق نيوز، أن من بين الحلول المطروحة إقامة شراكات استثمارية زراعية مع شركات تركية وإيرانية داخل العراق، بما يخلق مصالح مشتركة تدفع دول المنبع إلى زيادة الإطلاقات المائية، فضلاً عن تحسين البيئة المحلية وفتح مجالات اقتصادية جديدة في قطاعي الزراعة والصناعات الغذائية.
كما يشير إلى أهمية تقليل التبخر من المسطحات المائية، عبر استخدام الكرات البلاستيكية العائمة، وهي تقنية مطبقة في عدد من الدول مثل الولايات المتحدة، ويمكن أن تقلل نسب التبخر بنسب كبيرة.
بدوره، يقول معاون البيت الثقافي في القاسم، محمد حمزة الجبوري، إن الندوة ركزت على أن أزمة المياه في العراق لم تعد احتمالاً مستقبلياً، بل واقعاً ملموساً، تسببت به عوامل داخلية وخارجية، في مقدمتها التغير المناخي والسياسات المائية الإقليمية.
ويؤكد الجبوري لوكالة شفق نيوز أن ترسيخ ثقافة ترشيد استهلاك المياه أصبح ضرورة وطنية، سواء في مياه الشرب أو في القطاع الزراعي، من خلال مغادرة طرق الري التقليدية والاعتماد على الري الحديثة، فضلاً عن الاستفادة من مياه الأمطار وتغيير انماط الاستهلاك وصولاً إلى تقليل الهدر اليومي.
وخلص إلى أن ثقافة الترشيد لم تعد خياراً سلوكياً بل ضرورة إستراتيجية لمواجهة أزمة المياه ما يتطلب تكاملاً بين الحلول الأكاديمية والهندسية، والسياسات الاقتصادية، والوعي المجتمعي، للحفاظ على الأمن المائي للعراق.
ويواجه العراق منذ سنوات أزمة جفاف متفاقمة، تُعد من أخطر التحديات البيئية في تاريخه الحديث، نتيجة التغير المناخي وانخفاض معدلات الأمطار، إضافة إلى التراجع الكبير في واردات المياه من دول المنبع كتركيا وإيران.
وأدت هذه العوامل إلى تقلص المساحات المزروعة وتزايد التصحر وتضرر الأمن الغذائي، ما أثر بشكل مباشر على معيشة ملايين العراقيين، خصوصاً في المناطق الزراعية والريفية.
وبالتوازي مع الجفاف، يعاني العراق من نقص حاد في الخزين المائي داخل السدود والخزانات، حيث تراجعت المستويات إلى ما دون المعدلات الآمنة.
بدورها، أطلقت وزارة الموارد المائية تحذيرات متكررة بشأن تدني الخزين، وأكدت أنها تعتمد خططاً لتوزيع المياه وفق أولويات الشرب والبستنة، في ظل غياب خطة زراعية صيفية شاملة.