السوداني وحرب التسريبات
احمد حسين
لست على وفاق ولا اتفاق مع الكثير من سياسات وقرارات وخطوات السيد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بل أنني أرى أنه في بعض قراراته "الارتجالية" أصبح نسخة مكررة لمن سبقه في هذا المنصب "الملعون"، لكنني ألتمس عذراً للرجل وهو أنه بلا سند ولا "ظهر" يحميه سياسياً ولا حزبياً ولا حتى اجتماعياً، فجميعنا نعرف أنه لا حزب له وليس بزعيم لكتلة يمكنها أن تدافع عنه، أما وجوده ضمن ائتلاف إدارة الدولة فهو وجود شكلي وليس بفاعل ولم يكن الرجل صاحب قرار في هذا الائتلاف حتى أصبح رئيساً للحكومة وحتى بعد أن تبوأ هذا المنصب لم يتمكن من اتخاذ أو تمرير الكثير من القرارات بسبب محاربة البعض له ومحاولاتهم المستمرة لتحجيمه وقص ريشه لكي لا يطير خارج سرب "الزعيم الأوحد" والمصالح الحزبية والشخصية، ووفقاً لما أرى أنا شخصياً -وهي رؤية قد أكون مخطئاً بها- فالرجل يحاول قدر الإمكان التحرر من قيود الكتلة الأكبر "المضطربة" بسبب طموحات شخص واحد يرى أن لا رأي إلا رأيه وعلى الجميع الخضوع له.
ربما لا يعرف الكثير أن السوداني خرج من عباءة "الزعيم الأوحد" قبل سنين من انتخابه رئيساً للوزراء، ولم يكن خروجاً سهلاً ولا هادئاً ولا بالتراضي بل كان احتجاجاً على التفرد بالرأي من دون الاستماع للآخرين، ومنذ ذلك الحين لم يكن السوداني و"الزعيم الأوحد" على وفاق حتى جاءت معضلة الثلث المعطل بعد الانتخابات المبكرة في أواخر العام 2021 وما تلا ذلك من أحداث كارثية خطيرة كادت أن تقدح شرارة حرب شيعية شيعية كما كانت تخطط له إرادات خارجية بأدوات داخلية، حينها لم يكن أمام الكتل الشيعية سوى التوافق على شخصية مقبولة من قبل مختلف الأطراف "المتحاربة" وكان السوداني هو الخيار الوحيد، خاصة وأنه مقبول شعبياً لنظافة يده من الفساد المالي والإداري، فكان ما كان في أواخر 2022 وحُسم الأمر.
ولم تمضِ سنة واحدة على تسنم السوداني رئاسة الحكومة حتى بدأ أحدهم حربه الشعواء على الرجل لتصل ذروتها خلال العام الحالي بالانحدار إلى "مستنقع" حرب التسريبات.
على ما يبدو أن السوداني أثار حفيظة الكثير فدفعهم حرصهم على مصالحهم الحزبية والشخصية إلى حرب تسقيط من نوع آخر لوضع العقبات أمام طموح السوداني لولاية ثانية، وهنا علينا أن نتذكر أن ما يسمى بـ"المستشارين" ما هم إلا "عيون وسعاة بريد" لأحزابهم وكتلهم في مكاتب رئاسات الجمهورية والوزراء والنواب، أو أن كتلهم أرادت أن تتخلص من أعبائهم المالية المليونية فوجدوا في صفة المستشار خير وسيلة للتخلص منهم وتوظيفهم في الوقت نفسه كعيون لهم، وليس ببعيد عنّا ما تم كشفه في ولاية أحد رؤساء مجلس النواب الأسبق الذي كشف عن وجود ما يزيد على 300 شخص يعملون في مكتب سلفه تحت عنوان مستشارين، وعند تسريب أسمائهم تبين أن بعض "المستشارات" يحملّن صفة صحفيات في حين أننا في الوسط الصحفي لا نعرفهن أساساً، وكذلك الأمر بالنسبة لرئاستيّ الوزراء والجمهورية وغيرها من المناصب التي تستعين بما يسمى المستشارين.
بالتالي ما جرى ويجري وسوف يجري من حرب التسريبات لا يجب أن نحمّل مسؤوليته لرئيس الوزراء الحالي، من باب الإنصاف، خاصة وإن الرجل جاء لرئاسة الحكومة من دون أن يكون قيادياً في حزب أو كتلة، وما من رصيد جماهيري لديه سوى ثقة الناس بنزاهته، لكن رغم ذلك استطاع فرض وجوده وبالتالي لابد من محاربته وتسقيطه لمجرد تفكيره أن يشذ عن طوق "الحيتان المتسلطة".
ولما تقدم من طبيعي أن بعض "المهلهلين" السياسيين وليس المحليين يهاجمون السوداني بشدة لكونهم أصوات مدفوعة الأجر هدفها شيطنة الرجل وإظهار أولياء نعمتهم بمظهر الملائكة وكأن كل ما جرى في الحكومات السابقة لم يكن بسبب سياسات ملائكتهم هؤلاء الغارقون في الفساد المالي والإداري وحتى الأخلاقي للبعض منهم.
ولذلك فضيحة محمد جوحي ما هي إلا واحدة من القنابل التي يفجرها "الزعيم الأوحد" بوجه السوداني، والجميع يعلم أن من جاء بجوحي ومن معه هو رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي وهذا الأخير "فلتة" من فلتات العملية السياسية للأسف الشديد لم يقيّنا الله شرها الذي ما زال قائماً.