من أبو غريب إلى باريس ثم بغداد.. جمال الضاري وتشريح للمشهد السني والعراقي بعد 2003

شفق نيوز/ وسط مشهد سياسي يتّسم بالتشظي، برز اسم جمال عبد الوهاب الضاري كواحد من الأصوات السنية التي تسعى لتقديم مقاربة مختلفة لما بعد 2003، فبخلفية عشائرية معروفة، وتجربة جمعت بين العمل العسكري والسياسي والاجتماعي، يتحرّك الضاري ضمن مساحة رمادية بين السلطة والمعارضة، محاولاً بناء مشروع يقول إنه "ينأى عن خطاب الطائفة"، دون أن ينعزل عن واقعها.
ولد الضاري عام 1965 في قضاء أبو غريب، ضمن بيئة عشائرية تنتمي إلى قبيلة زوبع، إحدى أبرز القبائل السنية في العراق، كما خدم في الحرس الجمهوري خلال الحرب العراقية الإيرانية، وسُجن لاحقاً بتهمة الانتماء لتنظيم معارض للنظام السابق، وبعد الإفراج عنه، اتجه إلى العمل المدني والسياسي، وأسس في باريس منظمة "سفراء السلام من أجل العراق"، ثم أطلق عام 2016 المشروع الوطني العراقي، كـ"منصة سياسية تسعى لتجاوز الاصطفافات الطائفية".
على خلاف شخصيات سنية اختارت الاندماج الكلي في النظام، أو تلك التي اعتزلت المشهد، يقدّم الضاري خطاباً يجمع بين الرفض والنقد، دون تبني موقف صدامي مباشر، حيث ينتقد بنية النظام ويدعو إلى تغييره من خلال الحوار، لكنه لا يدعو إلى إسقاطه، ويشدد على ضرورة الإصلاح من جذوره.
لا يقدم الضاري خطاباً تصالحياً، بل يذهب مباشرة إلى عمق المأزق العراقي، معلناً أن ما يُدار في بغداد ليس مشروع دولة، بل منظومة مصالح ميتة سريرياً، لا يمكن إنعاشها بانتخابات شكلية.
في حوار خاص مع وكالة شفق نيوز، يعرض جمال الضاري رؤيته لتطور العملية السياسية، موقفه من العملية الانتخابية المقبلة، مروراً برؤيته لإشكاليات النظام، وموقفه من الملفات الإقليمية، وعلى رأسها محطات دمشق، طهران وملف الحشد الشعبي.
الصدر والانتخابات.. انسحاب أم صفعة؟
يرى جمال الضاري أن انسحاب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من الانتخابات ليس تفصيلاً عابراً، بل كشفٌ عميق عن عطب بنيوي في العملية السياسية.
"دخول الصدر كان متأخراً، لكنه جاء بشعار الإصلاح. اليوم وبعد كل هذه التجربة، يبدو أنه توصل إلى قناعة بأن الإصلاح مستحيل في ظل بنية متعفنة"، يقول الضاري.
ويضيف أن التجارب الانتخابية المتتالية أثبتت فقدانها للشرعية: "في 2010 كانت هناك انتكاسة، في 2014 شابت الانتخابات ظروف غير نزيهة، في 2018 أُحرقت الصناديق، وفي 2021 كدنا ننزلق إلى حرب شيعية–شيعية".
بالنسبة له، فالأزمة ليست فقط في غياب التيار الصدري، بل في بنية النظام ذاته: "الفائز يتحول إلى خاسر، والخاسر يُصنع فائزاً. العملية لا تعكس إرادة الناس".
حول الانتخابات المقررة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، لا يبدي الضاري تفاؤلاً كبيراً: "القوائم السنية معروفة، وربما تظهر أخرى جديدة، لكن ما لم تتوافر ضمانات النزاهة ومراقبة دولية فعلية، فستبقى النتائج ضمن نفس الدائرة".
كما يمضي رفضه بقوة فكرة تقسيم العراق إلى أقاليم مذهبية، معتبراً أن هذا الطرح يهدد وحدة الدولة: "الأقاليم الطائفية مرفوضة. من يفكر بها، لا يفكر بمصلحة العراق بل بمصالح خارجية".
ويضيف: "قلتها سابقاً وسأكررها: العراق لم يكن شيعياً ولا سنياً، وسيبقى عراقاً لجميع العراقيين. لا مكان فيه للطائفيين".
عودة البعث.. فزاعة انتخابية
حول ما يُثار من حين لآخر عن عودة حزب البعث، يعتبر الضاري أن هذا الطرح يُستخدم كوسيلة لإشغال الناس وتخويفهم: "هي مجرد شماعة. من يفشل في الحكم يختلق خصماً افتراضياً اسمه البعث، ليُبعد الأنظار عن فشله".
كما يُسقط الضاري مصطلح "الزعيم السني" من قاموسه: "الزعامة لا تُمنح ولا تُشترى. لا يوجد اليوم زعيم سني متفق عليه شعبياً. هناك قادة أحزاب وكتل، لكنهم لا يملكون الإجماع".
ويتابع: "الزعامة تحتاج إلى تضحيات ومواقف. من يساوم على أهله لمصلحة حزبه لا يمكن أن يكون زعيماً. أتمنى استبدال هذا المفهوم بمصطلح أكثر واقعية: القائد السياسي".
وحول غياب ما يسمى "البيت السني" مقارنة بالإطار التنسيقي الشيعي، يقول الضاري: "الشيعة يملكون القرار، أما الاجتماعات السنية فهي لالتقاط الصور وتبادل المجاملات. لا تصدر عنها قرارات، ولا تغير شيئاً في الواقع".
ويلفت: "في النهاية، الناس في المناطق المحررة يعرفون أن هذه الاجتماعات لا تسمن ولا تغني من جوع".
بغداد وأربيل.. خلاف دائم بلا حلول
في تقييمه للعلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كوردستان، يرى الضاري أن الخلافات مستمرة لأن العقلية التي تديرها تبحث عن المكاسب لا عن الشراكة. ويقول: "الحل يجب أن يكون بالحوار لا بالتعنت. المواطن هو المتضرر الأول".
أما بشأن التوتر الأميركي – الإيراني، فيرى أن العراق بات ساحة صراع بالوكالة: "نحتاج إلى قرار وطني مستقل يمنع تحويل العراق إلى منصة لتصفية الحسابات".
وفي ملف الحشد الشعبي، يُظهر الضاري موقفاً واضحاً: "أي قوة خارج الجيش والداخلية تُضعف الدولة وتخلق ازدواجية خطيرة". ويضيف: "في المناطق المحررة، يُستخدم الحشد كأداة للضغط على الناخبين، لصالح كتل سياسية محددة".
وبينما تتحدث بعض الأطراف عن حل الحشد، تعمل أطراف أخرى على تعزيز وجوده عبر تعديلات قانونية. الضاري يطالب بالوضوح: "الشعب من حقه أن يعرف ما المطلوب منه، لا يمكن استمرار الغموض".
العراق والمنطقة.. لا لسيناريو سوريا ولكن؟
ورداً على مقارنات تُطرح أحياناً بين المشهد العراقي والسوري، يرى الضاري أن لكل بلد ظروفه، لكن المؤشرات في العراق تنذر بخطر مستمر.
"العراق حجر زاوية في المنطقة، واستقراره هو استقرار للجميع. ما حدث بعد 2003 من احتجاجات واحتلال وظهور داعش وثورة تشرين، كلّها مؤشرات أن النظام السياسي فشل تماماً".
كما يقدّم الضاري رؤيته للخروج: "نحن بحاجة إلى مؤتمر حوار وطني شامل، بمشاركة كل الأطراف، حتى النقابات والمجتمع المدني. لا بد من تعديل الدستور الذي كُتب تحت الاحتلال، وإجراء انتخابات نزيهة تضع الكفاءة والولاء للوطن معياراً لا الطائفة".
كما لا يُخفي الضاري موقفه من نظام الرئيس السوري بشار الأسد: "ما ارتكبه النظام السوري خلال 14 عاماً دليل دامغ على دموية لا يمكن تبريرها"، مضيفاً أن التغيير في سوريا يجب أن يشمل محاسبة المتورطين وإعادة المهجرين وفرض سلطة القانون.
ويؤكد: "نحن نحترم خيارات الشعب السوري، وندعو لحكومة انتقالية شاملة تعيد لسوريا وحدتها ومكانتها، وتنعكس استقراراً على العراق والمنطقة".