"كورد قبورستان".. كشف بعض غموض وأسرار الحياة في أربيل التاريخية

"كورد قبورستان".. كشف بعض غموض وأسرار الحياة في أربيل التاريخية
2025-01-15 18:30

شفق نيوز/ ذكرت مواقع بريطانية وأمريكية أن اكتشافات جديدة لآثار بالقرب من مدينة أربيل عاصمة إقليم كوردستان، تظهر ارتباطها بالعصر البرونزي، وتقدم نظرة عميقة على تراث الإقليم وتسد فجوات المعرفة حول كيفية عيش البشر القدماء في تلك الحقبة وفي تلك المنطقة ومدى تطورهم.

وأوضح موقع صحيفة "الإكسبرس" البريطاني أن الحياة في الحقبة البرونزية في مدينة "كورد قبورستان" القديمة في بلاد ما بين النهرين، كانت تتسم بالغموض بالنسبة إلى علماء الآثار بسبب محدودية الأبحاث والافتقار إلى المراجع التاريخية.

مفتاح كشف الأسرار

وأشار التقرير إلى أن الاكتشافات الجديدة، بما في ذلك الألواح الطينية ذات الكتابة المسمارية القديمة، ولوحة الألعاب، والبقايا الهيكلية الكبيرة، قد تكون بمثابة مفتاح لكشف أسرار الموقع.

من جهته، ذكر موقع جامعة وسط فلوريدا الأمريكية أن الأستاذة المشاركة في التاريخ في جامعة كاليفورنيا تيفاني إيرلي سبادوني توصلت هي وفريق من الباحثين إلى الاكتشافات الجديدة خلال العمل الميداني في موقع "كورد قبورستان"، والتي تعتبر بمثابة ثروة من المعلومات حول هذه المدينة التي تعود إلى العصر البرونزي الأوسط وتسلط الضوء على التاريخ المخفي الأكبر لبلاد ما بين النهرين.

وبحسب التقرير الأمريكي فإن الألواح الطينية هي الأولى من نوعها التي يتم العثور عليها في هذه المنطقة وما تزال خاضعة للدراسة والتفسير، لكن النتائج الأولية تظهر أنها توفر رؤية أكبر حول الناس الذين عاشوا هناك والأحداث المهمة التي واجهوها.

وتابع التقرير أن الأستاذة إيرلي سبادوني وفريق الباحثين توصلوا إلى اكتشافات مهمة تعود إلى العصر البرونزي الأوسط (1800 سنة قبل الميلاد)، في منطقة أربيل الحالية.

ولفت التقرير إلى أن جزءاً كبيراً من الازدهار البشري والتاريخ يمكن ربطها بحضارة بلاد ما بين النهرين القديمة، التي تضم العراق الحالي وما حوله.

واعتبر التقرير أن الاكتشافات الجديدة والألواح المسمارية بإمكانها أن تكشف عن تفاصيل مهمة حول روابط المدينة مع جيرانها خلال العصر البرونزي الأوسط وأهميتها التاريخية، موضحاً أنه خلال دراسة أسماء الأشخاص واختيار الكلمات وأساليب الكتابة، فإن الباحثين قد يتمكنون من فهم القراءة والكتابة في المنطقة والهوية الثقافية للمدينة بشكل أفضل.

وبحسب دراسة الأستاذة سبادوني وفريقها فإن العصر البرونزي الأوسط في شمال العراق ليس مفهوماً بشكل جيد بسبب الأبحاث السابقة المحدودة والتحيزات الموجودة في المصادر التاريخية المتاحة.

ونقل التقرير عن سبادوني قولها إنه "لدينا أمل في العثور على المزيد من السجلات التاريخية التي ستساعدنا على رواية قصة المدينة من وجهة نظر ناسها بدلاً من الاعتماد فقط على الروايات التي كتبها أعدائهم".

تطور الكتابة

وتابعت سبادوني قائلة إنه "بينما نعرف الكثير عن تطور الكتابة في جنوب العراق، إلا أننا لا نعرف سوى القليل عن معارف القراءة والكتابة في مدن شمال بلاد ما بين النهرين، وخاصة بالقرب من أربيل حيث تقع منطقة كورد قبورستان".

وأوضح التقرير أن بلاد ما بين النهرين، بشبكتها الكبيرة من المدن القديمة في السهول الخصبة على طول نهري دجلة والفرات بالقرب من الخليج، تعتبر بأنها مهد الحضارات، مشيراً إلى أن هذه المدن التي تم الحفاظ عليها على شكل تلال شاهقة، شكلتها قرون من التراكمات الثقافية، وهي أسرت اهتمام العلماء منذ أجيال.

وبحسب سبادوني فإن العلماء "يعرفون الكثير عن مدن بلاد ما بين النهرين في الجنوب، والتي تعتبر المعقل التقليدي للمدن، وأنه عندما يفكر الناس في المكان الذي نشأت فيه المدن للمرة الأولى، فأنهم يتخيلون مدناً في جنوب العراق، مثل أوروك"، مضيفة "إننا نسعى إلى سد هذه الثغرة في المنحة الدراسية من خلال التحقيق في موقع حضري كبير، وهو أحد المواقع القليلة التي تم التحقيق فيها على الإطلاق في شمال العراق".

المدينة السفلى

وأشار التقرير إلى أن فريق سبادوني عمل في منطقتين رئيسيتين، هما الأحياء السكنية الشمالية الغربية والمجمع الإداري المكتشف حديثاً والذي تم تحديده على أنه القصر السفلي في المدينة السفلى، واستخدم الباحثون تقنيات مثل القياس المغناطيسي، الذي يسمح للباحثين بالكشف عبر الأرض لرؤية المخططات المعمارية، بما يساعدهم في حفر الموقع.

ونقل التقرير عن سبادوني قولها إن "البحث يركز على تنظيم المدن القديمة، وعلى وجه التحديد تنظيم كورد قبورستان"، مضيفة أنه "ربما تكون قد سمعت عن الملك حمورابي، الذي وضع قانون الشريعة الشهير، وهذا هو نفس الوقت تقريباً منذ 4000 عام تقريباً، وقررنا أن هذا سيكون مكاناً مثيراً للاهتمام لاستكشاف كيف كان الأمر بالنسبة لشخص عادي في مدينة خلال العصر البرونزي الأوسط، وهو موضوع لم تجري دراسته بشكل كاف".

قصور ومعابد

وأوضحت أن "الناس يحبون التنقيب في القصور والمعابد، ولم يتم التنقيب إلا في عدد محدود جداً من المناطق السكنية".

ولفت التقرير إلى تنقيبات في القصر كشفت عن وجود عمارة ضخمة وبقايا بشرية وأدلة على الدمار، مما يشير إلى حدث تاريخي مهم. أما في الأحياء الشمالية الغربية، فقد جرى الكشف عن فناء خارجي متعدد وأنابيب صرف طينية ونفايات منزلية، كما تضمن الفخار المستخرج عناصر مثل الأكواب والأطباق والأوعية وأوعية التخزين، وبعض الأواني الفخارية مزخرفة بشكل جيد ومصنوعة بعناية، مما يشير إلى أن الثروة الخاصة ربما كانت أكثر شيوعاً مما كان متوقعاً.

أما عظام الحيوانات الموجودة مع الفخار، فهي تشير بحسب التقرير إلى أن السكان استمتعوا بنظام غذائي متنوع، بما في ذلك اللحوم والطرائد البرية، مشيراً إلى أن هذا المستوى من التعدد الغذائي لم يكن متوقعاً بالنسبة للسكان من غير النخبة في مدن بلاد ما بين النهرين.

ونقل التقرير عن سبادوني قولها إن الثقافة المادية والممارسات الغذائية تعكس مجتمعاً يعيش فيه بعض الأشخاص بشكل جيد نسبياً، وتشير إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث والتحليل للإجابة على الأسئلة العالقة، مضيفة أن الهدف من الدراسة هو محاولة فهم أشياء محددة للغاية عن السكان القدماء، مثلاً إلى أي درجة خططوا لبيئتهم، وكيفية حدوث عدم المساواة الاجتماعية في هذه المدينة القديمة، وهل كان هناك أناس فقراء جداً وشديدي الثراء، أم أنه ربما كانت هناك طبقة وسطى؟.

ومن جهتها، قالت "الإكسبرس" إن سبادوني تأمل أن يتمكن الباحثون قريباً من فهم أفضل لمحو الأمية في المنطقة والهوية الثقافية للمدينة، كما يمكنهم الكشف عن تفاصيل مهمة حول ارتباطات المدينة بجيرانها خلال العصر البرونزي الأوسط.

وأضافت قائلة إنه "في حين إننا نعرف الكثير عن تطور الكتابة في جنوب العراق، فإننا لا نعرف إلا القليل جداً عن معرفة القراءة والكتابة في مدن شمال بلاد ما بين النهرين، وخاصة بالقرب من أربيل حيث تقع مدينة كورد قبورستان".

وذكر التقرير أن هناك العديد من الأدلة التي تعطي مصداقية للنظرية القائلة بأن "كورد قبورستان" كانت مدينة قبرة الشهيرة التي تمت الإشارة إليها في اللوحات البابلية القديمة، مضيفة أن أحد هذه الأدلة هو أن هناك دلائل كثيرة تشير إلى أن منطقة "كورد قبورستان" تشكل مركزاً إدارياً إقليمياً رئيسياً.

وأوضحت سبادوني أنه من المعتقد أن "كورد قبورستان" هي قبرة القديمة، وهي مركز إقليمي مهم مذكور في سجلات دول المدن الأخرى".

وتابعت قائلة بحسب ما نقل موقع الجامعة الأمريكية عنها إن الألواح المسمارية ما تزال قيد التفسير، ولكن هناك بعض النتائج المبكرة المشجعة التي تساعد في إلقاء الضوء على الهوية الأكبر لشعب "كورد قبورستان" والعصر الذي سكنوه.

وختم التقرير الأمريكي بالإشارة إلى أنه يجري تمويل جهود البحث والتنقيب من خلال مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية وبالشراكة مع إقليم كوردستان، وقد تم تنفيذ العمل في الفترة من آيار/ مايو إلى تموز/ يوليو 2024، مع العمل السابق الذي تم إجراؤه في الفترة من 2013 إلى 2023 بواسطة فريق من جامعة جونز هوبكنز ضم أيضاً إيرلي سبادوني.

ترجمة وكالة شفق نيوز

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon