الصليب الأحمر تحذر من خطر يتفاقم في العراق وتضرب مثلاً بـ"الديوانية"

شفق نيوز/ حذرت اللجنة الدولية
للصليب الأحمر من تحديات تواجهها قرية عراقية كنموذج عن صعوبات الحياة في ظل شح
المياه والتغيير المناخي، خصوصاً فيما يتعلق بالزراعة وتربية الماشية، والهجرة
التي تدفع أبناء القرية للنزوح نحو المدن، بحثاً عن فرص حياة أفضل.
وللدلالة على تأثيرات التغيرات
المناخية، أشارت اللجنة في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أنه "في إحدى
اللحظات، غطت السحب القاتمة السماء لتحجب أشعة الشمس الحارقة في (الحزامات)، وهي
قرية صغيرة تقع بالقرب من قضاء عفك في محافظة الديوانية، وكان يبدو أن المطر سيهطل
سريعاً، إلا أنه بعد مرور دقائق تلاشت الغيوم بشكل أسرع مما ظهرت عليه، وأشرقت
الشمس الحارقة مجدداً".
وأوضح التقرير أن عدد سكان
"الحزامات" يبلغ نحو 1200 شخص، يتوزعون على 125 عائلة.
وذكرّ بأنه في العام 1975، نزحت
نحو 600 عائلة بسبب قرارات سياسية في ذلك الوقت، وتحولت "الحزامات" إلى
مكان استيطانهم الجديد.
وتابع التقرير أنه في ظل أوضاع
الجفاف الحاد الذي بدأ في العام 2018، عانى هذا المجتمع المعتمد بشكل رئيسي على
الزراعة وتربية الماشية، من صعوبات كبيرة، واضطر العديد من الناس، بسبب تدهور
الفرص الزراعية، للهجرة إلى المراكز في المدن والمحافظات الأخرى بحثاً عن فرص
اقتصادية.
ونقل التقرير عن أحمد عزيز، وهو
أحد المزارعين في القرية، قوله إن "العديد من العائلات غادرت المنطقة بسبب شح
المياه، بحثاً عن مأوى في المناطق التي تتوفر فيها مياه الشرب، ولهذا فقد خسروا
سبل عيشهم وفرصهم الزراعية"، مشيراً إلى أن القرية شهدت أيضاً انتشار العديد
من الأمراض الجلدية والمعدية بسبب الشح المائي ورداءة نوعية المياه التي يتم جمعها
بانتظام من قنوات الصرف الصحي.
ولفت التقرير إلى أن الظروف
المناخية السيئة والأحوال المعيشية المتدهورة، تسببت بخسائر اقتصادية كبيرة،
خصوصاً بين كبار السن والأطفال، مضيفاً أن جفاف موارد المياه المحلية، بما في ذلك
نهر "الحزامات" وقنوات الري، أدت كلها إلى تعطل عمل معظم مرافق معالجة
المياه.
وبحسب التقرير، فإن العديد من
العائلات تعتمد حالياً على الآبار لاستهلاك المياه المنزلية.
ونقل التقرير عن موسى لطيف راضي،
وهو أحد وجهاء قبيلة "الحزامات"، قوله إن "العائلات تسافر إلى
مناطق بعيدة وسط المدينة لجلب غالون واحد من الماء للاحتفاظ به للشرب لمدة أسبوع
تقريباً"، مشيراً إلى أن غالبية العائلات لا يمكنها الحصول على المياه بسبب المسافة
الطويلة إلى وسط المدينة.
وذكرّ التقرير بأن سكان الأهوار
الأصليين كانوا منذ نحو خمسة آلاف سنة، يصطادون ويزرعون في الأراضي الرطبة التي
ليست بعيدة عن القرية، ويجري بناء جزر القصب العائمة عند التقاء نهري دجلة والفرات
قبل أن يصبا في الخليج، حيث يتم تربية الجواميس وبناء المنازل المشيدة من القصب،
وهو المكان الذي ازدهرت فيه الحضارات الأولى وقامت على زراعة المحاصيل وتربية
الماشية في بلاد ما بين النهرين.
والآن، يقول تقرير الصليب الأحمر
الدولي، إن التغيير المناخي وتلوث المياه، والتنقيب عن النفط، وبناء السدود عند
المنبع، تهدد النظام البيئي الهش وثقافة بلاد ما بين النهرين القديمة، والتي يقول
البعض إنها تعود إلى السومريين.
وتابع أنه بعكس الأراضي الخصبة
والوفيرة، التي كانت مزدهرة بالزراعة، فإن معظم الأراضي هنا اليوم قاحلة وتعاني من
الجفاف، وصار الصيادون والمزارعون وبناة القوارب وغيرهم يتخلون عن حياتهم التي
تعتمد على المياه وينتقلون إلى المدن، في "بحث يائس" عن فرص اقتصادية
أفضل.
ونقل التقرير عن مزارع قوله
"في السنوات الثلاثين الماضية، كانت الحياة رائعة. حيث قمنا بتوسيع حقولنا،
وزرعنا معظم الخضروات الموسمية: الرز والقمح والفواكه، الوضع الحالي صار مزرياً
والحياة شبه مستحيلة، حيث أن النشاط الاقتصادي الوحيد في القرية هو الزراعة،
وتوقفت معظم العائلات عن الزراعة بينما ترك آخرون حقولهم بحثاً عن الماء".
وذكر التقرير أنه من أجل تحديد
المشكلة وحجمها، جرى إدراج العراق ضمن الدول الخمس الأكثر تضرراً من التغيير
المناخي وفقاً للأمم المتحدة، حيث أن التصحر يهدد 92% من الأراضي، بينما تتزايد
درجة الحرارة سبع مرات أسرع من أي مكان آخر على وجه الأرض.
وأشار التقرير إلى أنه تم تحديد
قرية "الحزامات" وقضاء عفك على أنهما من بين المناطق الأكثر تأثراً بسبب
شح المياه والتحديات المناخية.
وتناول التقرير الجهود التي تبذلها
جمعية الهلال الأحمر العراقي مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بموجب اتفاقية تعاون
هدفها تحسين الوصول إلى المياه الصالحة للشرب في مجتمعات هشة في المحافظات
الجنوبية وتعزيز الاستعداد لحالات الطوارئ في دائرة المياه والصرف الصحي التابعة
لجمعية الهلال الأحمر العراقي.
وأشار إلى مبادرة هدفها تحسين
الظروف المعيشية للمجتمعات في الجنوب المتضررة من التغيير المناخي، وهي تتضمن
إنشاء محطة لتحلية المياه بقدرة 2000 لتر في الساعة، تعمل بنظام الطاقة الشمسية
بقدرة 15 كيلوواط، للتخفيف من تقلبات الكهرباء والحد من الاعتماد على وقود الديزل
وسط النقص المستمر في الطاقة وأزمات الوقود.
ونقل التقرير عن المسؤول عن قسم
المياه والصرف الصحي في جمعية الهلال الأحمر العراقي، نوار عبد القادر، قوله إن
الجمعية توفر مياه الشرب لنحو 500 ألف شخص في المناطق الأكثر هشاشة من خلال 77
محطة لمعالجة المياه تديرها فرقها المتخصصة، مضيفاً أن "هذه المحطات تتوزع على
مختلف مناطق العراق التي يعاني الكثير منها من الجفاف وشح المياه وتصنف على أنها
مناطق نائية متأثرة بالتغير المناخي".
وبحسب التقرير، فإن فريق المياه
والإسكان التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر وفر الدعم الفني وقام بمراقبة عملية
التركيب، ومول تنفيذ المشروع بالكامل، فيما وصف المزارعون المحليون المشروع بأنه
يشجع العائلات على البقاء في القرية بدلاً من مغادرتها للبحث عن المياه.
وختم التقرير بالقول إن جفاف
الأهوار في الجنوب العراقي، لا يهدد التنوع البيولوجي المحلي فقط، وإنما يهدد
أيضاً صحة الإنسان وسبل عيشه أيضاً.
ترجمة وكالة شفق نيوز