20 لاجئاً من سوريا والعراق يعملون مرشدين في متاحف ألمانية
شفق نيوز/ فكرة ذكية لكن نجاحها مرهون بحجم إقبال اللاجئين العرب ومواصلة اهتمامهم بها. إذ تم في عدد من المتاحف في برلين التي تعرض آثارا من العالم العربي والشرق الأوسط تعيين لاجئين ولاجئات من سوريا والعراق وبالتحديد شباب كمرشدين ومرشدات لمرافقة زوار هذه المتاحف من اللاجئين العرب مثلهم ليشرحوا لهم جوانب من تاريخ بلادهم عبر قطع الآثار المعروضة غير المتواجدة في بلادهم ولتشجيعهم على توسيع أفقهم وكسب معلومات قد لا يكسبونها في بلادهم بدلا من التسكع في الشوارع الألمانية أو الوقوع فريسة عصابات خطيرة أو السطو على محلات ومتاجر كما يحدث اليوم.
ولقد بدأت الفكرة في وزارة الثقافة الاتحادية التي أرادت المساهمة في عملية اندماج اللاجئين العرب في المجتمع الألماني وإظهار أهمية اطّلاع الإنسان على ثقافة وحضارات بلاده وبلدان أخرى. إذ من المعروف أن زيارة المتاحف هو جزء من المنهاج المدرسي الألماني، ولهذا تنظم المدارس على الأقل زيارتين للتلاميذ من كل الأعمار للتعرف على حضارتهم.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي شكلت لجنة لتحقيق هذا المشروع من ضمن أفرادها السورية رازان نصر الدين (27 عاما) التي أتت كلاجئة إلى ألمانيا قبل أربعة أعوام، كما تم اختيار 20 لاجئا ولاجئة من سوريا والعراق أخضعوا للتدريب لبضعة أيام بعدها وزعوا كمرشدين على أربعة متاحف برلين: متحف الفن الإسلامي ومتحف الشرق الأدنى في متحف برغامون ومتحف الفن البيزنطي بمتحف بوده ومتحف التاريخ الألماني الذي يستعرض تاريخ ألمانيا قبل تأسيسها وحتى اليوم. وتنظم للاجئين العرب يوم الأربعاء من كل أسبوع جولة يشرح المرشدون لهم باللغة العربية تاريخ القطع الأثرية المعروضة وما هو الدور الذي لعبته في حضارات الشعوب، فهذا يساهم أيضا في تعزيز الروابط بين تراث ألمانيا الثقافي وبين تراثهم العربي.
ولقد أطلق على المشروع اسم «الملتقى» ويتقاضى المرشدون العرب مقابل عملهم 40 يورو في الساعة يدفع هذا المبلغ صندوق منظمة «أصدقاء متحف الفنون الإسلامية» وهي منظمة غير ربحية. وعلى الرغم من أن الزوار العرب لا يدفعون رسوم دخول فإن عددهم ما زال قليلا وقد يكون السبب هو الطقس البارد.
وبرر مسؤول في وزارة الثقافة أهمية مثل هذا المشروع بأنه يسهل على اللاجئين عملية اندماجهم في المجتمع الألماني، ومع أنه لا يشمل كل متاحف ألمانيا لكن سمعة «الملتقى» انتشرت ومن المنتظر أن تعتمدها مدن أخرى لديها لاجئون عرب.
شتيفان فيبر مدير متحف الفن الإسلامي في برلين متفائل من نجاح مشروع «الملتقى» فمنذ انطلاقته يلتقي مهتمون بالثقافة من اللاجئين العرب في المتحف ويتحاورون بشتى الأمور الثقافية والمتعلقة بالفنون الإسلامية، ومن شأن هذا النشاط توسيع أفق تفكيرهم والتخلي عن أي أفكار كانوا يحملونها من الوطن نتيجة مآسي الحرب، والمشروع يتعلق بحوارات تقام بين الإنسان والإنسان وهذه هي الميزة فيه. ولقد اعترف مدير المتحف بأن تأهيل المرشدات والمرشدين العرب كان سريعا ومكثفا، فتم اختيار عدد من اللاجئين الشباب العرب الأكاديميين وإن كانوا من غير المتخصصين في علم الآثار وليس لهم خلفية واسعة عنه. فالذين تم اختيارهم هم طلاب فنون ودراسات إسلامية وعمارة وتخطيط مدن وسياحة وغيرها، لكن الأمر بالدرجة الأولى يتعلق بإجراء حوار وليس بإلقاء محاضرة. وخلال الدورات لم يكتف المشرفون بإعطاء معلومات فقط عما يحتويه متحف الفنون الإسلامية بل شمل حديثهم بقية المتاحف أيضا.
سلمى جريج، من المرشدات السوريات وهي دارسة للقانون. أعربت عن سعادتها بالقيام بمثل هذا العمل وتأمل بأن تتمكن من مواصلة دراستها في القانون في ألمانيا. وعبر عملها كمرشدة في متحف التاريخ الألماني تريد الاطلاع على جوانب مهمة من هذا التاريخ وإيصالها إلى السوريين والعراقيين الذين يأتون. لكن فيما يتعلق بالدراسة الجامعية عليها البدء من الصفر، فالجامعات في ألمانيا لا تعترف بالسنوات التي درستها في بلادها. مع ذلك تقول: «أريد الدراسة والعمل والعيش في ألمانيا لبضعة سنوات، لذا أريد التعرف أكثر على الناس هنا، ومن خلال عملي كمرشدة يمكنني إبلاغهم بأن بعض من جوانب التاريخ الألماني شبيه بحاضرنا اليوم».
لكن ما يلفت النظر أن كل الذين تم اختيارهم للعمل كمرشدين أتوا قبل فترة ويقيمون إما لدى أقارب لهم أو يعيشون في شقق وليس في تجمعات للاجئين وأتوا بالطائرات وليس في قوارب تعرضت للمخاطر، ما يدفع إلى طرح السؤال «وماذا عن المساكين الذين يواجهون المشاكل في مخيمات اللاجئين وعليهم الاستيقاظ في الفجر من أجل الوقوف في الصف للحصول على رقم لدراسة ملفه، فلا أقارب لهم في ألمانيا ولم يأتوا جوا». فقبل تسونامي اللاجئين العام الماضي أتى الآلاف بسهولة لأن لهم أقارب قاموا بدورهم بتقديم طلبات استقدامهم وبعد وصولهم تقدم البعض بطلب لجوء ويحصل حاليا على نفس المساعدات التي تقدمها الحكومة للاجئين الآخرين بينما يعيش البعض الآخر لدى أقاربه وتكفلوا بنفقاتهم.
وبرلين هي المدينة الوحيدة حتى الآن التي أبدت استعدادا لتشغيل مرشدات ومرشدين عرب في متاحفها ولم يسمع أي تجاوب من مدن أخرى سوى متحف فرايليشت بارك هاسن في بلدة نوي ايسباخ بإقليم هاسن حيث أعفى اللاجئين من رسوم الدخول بهدف التعرف على الثقافة والحضارة الألمانية، ويواصل المتحف خطته رغم الانتقادات الشديدة إلى وجهت إليه لأنه يعفي اللاجئين من رسم الدخول ويفرضها على العاطلين عن العمل وعملوا لسنوات ودفعوا الضرائب حسب قول أحدهم.
والتذمر لم يأت من العاطلين عن العمل بل من مرشدين ومرشدات ألمان يعملون في المتاحف البرلينية التي وفرت عملا للاجئين العرب من بينهم فرانك باوغارد ويعمل مرشدا منذ أكثر من 16 عاما في أحد متاحف برلين ومتخصص بالآثار الفرعونية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كلهم طلاب جامعة لكن لم ينهوا تعليمهم، كما لا تتوفر لديهم المعلومات الكافية عن الآثار ولا علاقة لهم مباشرة بها حتى العربية والإسلامية منها فكيف يمكنهم إذن إعطاء شرح عن الحضارات البيزنطية والإغريقية. قد يكون عملهم مقتصرا على الزوار اللاجئين العرب لكن أن ينقلوا لهم معلومات غير كافية أو مغالطة فهذا أمر غير مقبول، عدا عن ذلك فإنهم يتقاضون على ساعة العمل 40 يورو، وهذا ما يتقاضاه مرشد لهم خبرة طويلة».
وتابع باوغارد «يوجد في برلين 260 مرشدة ومرشدا وهذا عدد كبير أيضا ويعاني البعض منهم من قلة الزوار، ومع مرور الوقت وبهدف تشغيل اللاجئين قد يبقى هؤلاء الطلبة بشكل دائما في عملهم على حسابنا». إلا أن سوزانه التي تعمل في متحف الآثار الفرعونية لا ترى الأمر بهذا السوء، فهي متأكدة من أن الشباب العرب لن يفضلوا عمل المرشدين عن متابعة دراستهم فهي الأهم. عدا عن ذلك فهم بحاجة إلى دخول الجامعة من أجل دراسة علوم الآثار وغيرها، ففي مستواهم الحالي لن يتوفر لهم في المستقبل عمل في المتاحف لأن الزوار سوف لن يرضوا بمرافقتهم. (الشرق الأوسط)