ذوبان الأنهار الجليدية السويسرية يكشف عن بكتيريا قد تنهي مشكلة "التلوث البلاستيكي"

ذوبان الأنهار الجليدية السويسرية يكشف عن بكتيريا قد تنهي مشكلة "التلوث البلاستيكي"
2025-01-10T09:52:17+00:00

شفق نيوز/ تسبب ذوبان الأنهار الجليدية الناجم عن الاحتباس الحراري في الكشف عن بكتيريا وفيروسات غير معروفة في الطبيعة، يمكن أن تساعدنا هذه الكائنات الحية الدقيقة في معالجة بعض المشكلات العالمية الكبرى، مثل التلوث البلاستيكي، ومقاومة المضادات الحيوية، ولأول مرة، يُخضع فريق بحثي هذه الكائنات للدراسة في الأنهار الجليدية السويسرية، لما تحمله من إمكانيات علمية كبيرة. 

يتغيّر المسار المؤدي إلى النهر الجليدي فجأة، ليغدو درباً مليئاً بالتحديات، يستدعي خطوات واثقة وأعصاباً متماسكة. ويتحوّل ما بدأ نزهة هادئة على ضفاف بحيرة جليدية ساكنة، إلى صعود شاق عبر صخور متناثرة ومرتفعات وعرة. 

وبينما نتقدم بخطى حذرة فوق تضاريس مضطربة، تزداد انزلاقاً مع تيارات المياه المنسابة من أعالي الجبل، يكسر صوت مدوٍ من بعيد سكون المكان، وتهوي صخرة أخرى في انحدار مهيب. فيتمتم مرشدنا بيت فراي بصوت مفعم بالقلق: “الوضع يثير الرهبة حقا”. 

وقفنا أمام نهر الرون الجليدي في قلب جبال الألب السويسرية، نطل على مشهد يخفي بين طياته أثر الزمن؛ منطقة كانت قبل خمسة عشر عاماً فقط غارقة تحت طبقة سميكة من الجليدرابط خارجي، والآن تكاد تعريها الطبيعة تماماً. 

وأشار فراي، من المعهد الفدرالي السويسري لأبحاث الغابات والثلوج والمناظر الطبيعية (WSL)، إلى شق عرضي حديث التكوين، كأنه جرح غائر عبر سطح النهر الجليدي. سيختفي جزء آخر من هذا العملاق الأبيض قريباً. 

لكن لا يتوقّف اختفاء النهر الجليدي على فقدان الجليد فحسب. إذ يقول فراي: “النهر الجليدي لا يذوب وحده، بل يأخذ معه الكائنات الحية التي يحتويها أيضا”، مضيفاً أن ضياع هذا الإرث البيولوجي يحرمنا من فرصة ثمينة لفهم آليات تكيّف هذه الكائنات مع الظروف الباردة القاسية عبر الزمن.

يُعد بيت فراي من الأوائل في مجال البحث الموثّق لأشكال الحياة من الأنهار الجليدية، والتربة دائمة التجمد، أو ما يسمى بـ”البيرمافروست” في جبال الألب. وقد قاده مشروع رائد آخر رابط خارجي قبل سنوات قليلة، إلى البحث في أعماق الكائنات الدقيقة الموجودة في بيئات القطب الشمالي القاسية. 

في البداية، اعتقد فريقه أن البيئات المتجمدة غير صالحة للحياة لانخفاض درجات الحرارة وندرة الضوء والمغذيات، لكن سرعان ما قادته اكتشافاته إلى إثبات العكس. 

ويعبّر فراي عن دهشته قائلاً: “لم أتوقع أبداً وجود هذا الكم من التنوع البيولوجي. فدائماً ما تظهر اكتشافات غير مألوفة في الجليد والبيرمافروست”. وقد كشفت الأبحاث في منطقة البيرمافروست بشرق جبال الألب السويسرية عن عشرة أنواع غير معروفة من البكتيريا، ونوع فريد من الفطريات. 

كما يتم التوصّل إلى اكتشافات مماثلة في أماكن أخرى حول العالم. فقد حدّد فريق بحث صينيّ مؤخّرا، أكثر من 10،000 نوع من الفيروسات رابط خارجي التي يحتويها الجليد في هضبة التبت. 

“ويتسبب الاحتباس الحراري الآن في إطلاق الكائنات الحية الدقيقة التي ظلت محبوسة في أعماق الجليد لقرون، في الطبيعة. وتحمل هذه الكائنات سواء كانت بكتيريا، أو فيروسات، أو فطريات، أسراراً غامضة لم تكشف عنها الطبيعة من قبل. وغالبا ما تفتح العينات الجليديّة المُجمَّعة، بعد إخضاعها للدراسة في المختبرات، آفاقاً علمية جديدة وغير مسبوقة، ما يوقظ شغف الفريق، ويحفز حماسه لاستكشاف المزيد. 

يقول فراي: “توجد آلاف الأنواع من الكائنات الدقيقة في التربة المتجمدة والجليد. لكننا لا نعرف الكثير عنها، أو عن طبيعتها، أو عن دورها في النظام البيئي”.  

ويهدف فراي إلى توثيق التنوع الميكروبي في جبال الألب السويسرية قبل أن يتلاشى. ويركز مشروعه الجديدرابط خارجي لأوّل مرّة، على دراسة الأنهار الجليدية، بما فيها “مورتراتش” (Morteratsch، في كانتون غراوبوندن)، و”رون” (Rhone، فاليه)، و”تسانفلورون” (Tsanfleuron، فاليه وفو). وتمتد هذه الأنهار على محور شرق-غرب عبر سويسرا، ما يجعلها ممثّلة للتنوع الميكروبيولوجي للأنهار الجليدية في جبال الألب.  

تحمل هذه الكائنات بين ثناياها توثيقاً فريداً وشاملاً للتغيرات المناخية التي شهدها كوكب الأرض على مر الزمن”. 

فيمكّن تحليل المجتمعات الميكروبية المحبوسة في الجليد مثلا، من الكشف عن تغيّرات في درجات الحرارة، والرطوبة، والتيارات الجويّة عبر العصور. وتتمتّع بعض أنواع هذه البكتيريا بالقدرة على إنتاج الميثان، أحد الغازات الدفيئة القوية، ما قد يجعلها تلعب دوراً في تفاقم ظاهرة التغير المناخي من خلال تعزيز الاحتباس الحراري. 

وتحمل هذه الكائنات الدقيقة التي لا يتجاوز حجمها جزءاً من المليمتر، إلى جانب تأثيرها في المناخ، إمكانات هائلة في مجالات الطب والتكنولوجيا الحيوية. فقد تكون مصدراً لاكتشاف أدوية جديدة تسهم في مكافحة الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية، كما يُعدّ الاكتشاف الأخير للبكتيريا والفطريات التي يمكنها أن تحلل البلاستيك رابط خارجي في درجات حرارة منخفضة، واعداً ويقدم حلاً بيئياً محتملاً لمشكلة التلوث البلاستيكي. 

ويقول بيت فراي، وهو يُخرج معدات التسلق من حقيبته: "تتمثّل رؤيتنا طويلة المدى في إيجاد حلول لبعض المشكلات العالمية (المتعلقة بالتغير المناخي والتحديات البيئية والصحية)". 

"ها قد وصلنا الآن إلى حافة النهر الجليدي. وقد ركّب فريق البحث في المعهد الفدرالي السويسري لأبحاث الغابات والثلوج والمناظر الطبيعية، على بعد مئات الأمتار من هذا المكان، معدات لجمع الكائنات الدقيقة من الجليد. ويختبر الفريق طريقة ترشيح جديدة طُورت في سويسرا، ويمكن استخدامها في مناطق أخرى أيضاً". يختم فراي.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon