أزمة "خانقة" تعصف بالعراق وكربلاء في "عين العاصفة"
شفق نيوز/ انخفضت ساعات تجهيز الكهرباء في محافظات عراقية مختلفة نتيجة استمرار توقف تصدير الغاز الإيراني منذ 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى العراق، ما أدى إلى توقف محطات توليد الكهرباء العراقية التي تعمل عليه.
وتزامن انخفاض تجهيز الطاقة الكهربائية مع هبوط حاد بدرجات الحرارة وبدء موسم الشتاء في البلاد، ليفاقم من معاناة المواطنين في محافظات عديدة بما في ذلك كربلاء التي تعد "أكثر المحافظات تضرراً في توزيع إنتاج الكهرباء بمعدل 5 ساعات قطع أمام ساعة واحدة تجهيز".
ويقول المواطن أبو أحمد، من قضاء الهندية في محافظة كربلاء، إن "مواطني كربلاء يعانون بسبب قلة تجهيز الكهرباء الوطنية، فالجو قارس، والماء بارد لا يمكن السباحة به، نتيجة تراجع ساعات تجهيز الكهرباء وعدم قدرة سخان الماء على توفير الماء الحار، وفي ظل هذه الأزمة هناك معاناة في الحصول على النفط والغاز".
ويوضح أبو أحمد لوكالة شفق نيوز، أن "الحصة النفطية قليلة ولا تكفي الحاجة، وهناك الكثير من المواطنين لم يستلموا حصتهم لغاية الآن، كما أن الغاز غير متوفر دائماً، لذلك بدأ المواطنون يستعينون بالسوق السوداء لتوفير احتياجاتهم من هذه المواد".
ويدعو أبو أحمد، الحكومة المحلية في كربلاء ووزارة الكهرباء إلى "ضرورة إيجاد الحلول السريعة لهذه الأزمة، خاصة للأطفال الذين هم بحاجة إلى الاغتسال يومياً وتشغيل المدافئ في سبيل توفير جو دراسي لهم خصوصاً مع اقتراب موعد امتحانات نصف السنة".
أكثر المحافظات تضرراً
بدوره، يقول نائب رئيس مجلس محافظة كربلاء، محفوظ التميمي، إن "كربلاء تعاني من نقص شديد في تجهيز الطاقة الكهربائية حتى قبل يوم 24 من تشرين الثاني الماضي، وما تحصل عليه المحافظة حالياً هي 550 ميغاواط في حين من المفترض أن يكون للمحافظة 2200 ميغاواط كحد أدنى".
ويوضح التميمي لوكالة شفق نيوز، أن "الـ550 ميغاواط التي تحصل عليها المحافظة، تذهب 50 بالمائة منها لمشاريع الطوارئ منها مشاريع الصحة والماء والمجاري وبعض المؤسسات والمواقع الأمنية، وتبقى أقل من 250 ميغاواط، وهذه لا تكفي لسد حاجة المواطنين خاصة في ظل انخفاض درجات الحرارة".
ويشير إلى أن "نقص الكهرباء في كربلاء هي ليست بجديدة، وظهرت بشكل جلي في زيارة الأربعين الأخيرة، وعلى إثرها حصلت اجتماعات للحكومة المحلية مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وأسفرت عن وضع خطة خاصة لكربلاء لتجنب تكرار الأزمة، لكن ما حصل هو العكس، حيث تفاقمت الأزمة".
ويضيف التميمي، كما أن "السوداني وجه في وقت سابق وزارة الكهرباء بوضع خطة خاصة لمحافظة كربلاء ورغم مضي فترة طويلة على هذا التوجيه لكنه لم ينفذ لغاية الآن".
ويؤكد، أن "كربلاء أكثر المحافظات تضرراً في توزيع الإنتاج، حيث يلاحظ وجود تفاوت كبير في تجهيز الكهرباء بين المحافظات، ففي كربلاء يتم تجهيز ساعة واحدة مقابل 5 ساعات قطع، لكن بعض المحافظات تتمتع بتجهيز يصل إلى 20 ساعة، لذلك هناك عدم عدالة في التوزيع".
ويلفت إلى أن "كربلاء مظلومة في التجهيز من وزارة الكهرباء، سواء من ناحية النسبة السكانية، أو على قضية المحافظات التي تنتج الطاقة الكهربائية، أو على خصوصية المحافظة وأعداد الزائرين".
ويبين التميمي، أن "ملف توليد الكهرباء اتحادي وغير مسموح للمحافظة التدخل في مسألة الإنتاج أو النقل، فيما تعزو وزارة الكهرباء الأزمة إلى انخفاض تجهيز الغاز من الخارج ما أدى إلى فقدان 5 آلاف ميغاواط، لكن كان من المفترض التنسيق بين وزارتي الكهرباء والنفط وتحويل الكاز والنفط الأبيض إلى المحافظات الأكثر تضرراً من تجهيز الكهرباء، لمساعدة المواطنين فيها".
سوء إدارة تتحمله الحكومات المتعاقبة
من جهته، يقول عضو لجنة النفط والغاز في مجلس النواب العراقي، باسم الغريباوي، إن "سبب تراجع تجهيز الكهرباء قديم جديد يتكرر باستمرار، وهو سوء إدارة هذا الملف من قبل كل الحكومات المتعاقبة ووزارات الكهرباء المتعاقبة وعدم وجود تنسيق بين الوزارات (الكهرباء والنفط والمالية والتخطيط)".
ويرى الغريباوي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "من غير المعقول استمرار الاعتماد على الغاز الإيراني الذي ينقطع بين فترة وأخرى، كما من غير المعقول استيراد محطات مصممة على الغاز فقط، في حين هناك نفط خام ونفط أسود ومشتقات أخرى متوفرة يمكن أن تعمل عليها المحطات، لكن ما يحصل هو ما أن ينقطع الغاز الإيراني تنطفئ الكهرباء في العراق".
وعن المساعي البرلمانية حول هذه الأزمة، يشير الغريباوي إلى "تشكيل لجنة تحقيقية رقابية لمراقبة كيفية توزيع حصص الكهرباء بين المحافظات وسيتم إصدار أمر إداري باللجنة قريباً".
وحاولت "شفق نيوز" التواصل مع المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، أحمد موسى، حول أزمة الكهرباء الحالية لكنه لم يرد على الاستفسارات حتى ساعة كتابة هذا التقرير.
لكن موسى أوضح في 2 كانون الأول الحالي لوكالة شفق نيوز، أن "توقف إمدادات الغاز الإيراني يعود لوجود أعمال صيانة لديهم، وهذه الأعمال تستمر لمدة 15 يوماً، وباكتمال الصيانة سيعاود ضخ الغاز وفق الكميات المتفق عليها"، مؤكداً أن "المحطات العراقية جاهزة للعمل بطاقتها الكاملة حال ضخ الغاز والوقود الكافي لها".
وعن أسباب الاعتماد على الغاز المستورد، يقول موسى إن "الغاز الوطني غير كافي ولا يسد حاجة الكهرباء، لذلك هناك حاجة مُلحّة للغاز المستورد لإدامة محطات الإنتاج".
ويؤكد، أن "الحل الجذري لمعالجة هذه المشكلة هو بالاعتماد على الغاز الوطني، وأن الحكومة متمثلة بوزارة النفط تعمل - على عكس الحكومات السابقة - بخطى سريعة لاستغلال الغاز الوطني، وهناك حقول غاز وطنية وضعت في جولات التراخيص الخامسة وجاري العمل حالياً على استغلالها، كما هناك جولة سادسة تضمنت حقول غاز، لكن استغلال الغاز الوطني يحتاج من 3 إلى 5 سنوات حتى يسد حاجة الكهرباء، وبما أن الغاز الوطني لم يكتمل حتى الآن للاستفادة منه، فإن الحاجة تبقى إلى المستورد".
يشار الى أن وسائل إعلام إيرانية ذكرت مؤخراً، أن العديد من محطات إنتاج الطاقة الكهربائية في إيران توقفت عن العمل بسبب نقص الوقود الذي تفاقم بسبب موجة البرد التي تستنزف إمدادات الطاقة.
وما يزال العراق منذ تسعينيات القرن الماضي يعتمد نظام القطع المبرمج للطاقة الكهربائية جراء تدني مستويات إنتاج الطاقة الكهربائية ويعتمد الأهالي على المولدات الأهلية لسد النقص.
ولسد هذا الفراغ يستورد العراق الكهرباء والغاز من إيران بما يتراوح بين ثلث و40% من احتياجاته من الطاقة، لكنه يواجه صعوبة في سداد ثمن تلك الواردات بسبب العقوبات الأمريكية التي تسمح لإيران فقط بالحصول على الأموال لشراء السلع غير الخاضعة للعقوبات؛ مثل الغذاء والدواء.
وبموازاة ذلك تعول بغداد على مشاريع الربط الكهربائي مع دول الجوار من أجل تأمين إمدادات مستقرة من الطاقة دون الحاجة للوقود لتشغيل المحطات، في ظل عدم استقرار إمدادات الغاز الإيرانية والتي تسببت مؤخراً بفقدان بغداد أكثر من 4 آلاف ميغاواط بسبب شح الغاز وتوقف خطوط الربط مع إيران.
وتضغط الولايات المتحدة الأمريكية على العراق - ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك - لخفض اعتماده على الغاز الإيراني.
ولإيجاد خط بديل أعلن العراق في آب/أغسطس 2023 عن توقيع اتفاق مبدئي مع تركمانستان لاستيراد الغاز منها لتلبية جزء من احتياجات محطات الطاقة الكهربية في البلاد.