الانسحاب الأمريكي.. "تفاهم واقعي" مع العراق وموقف "أخلاقي" إزاء كورد سوريا
شفق نيوز/ كشف معهد "المركز العربي في واشنطن" عن تفاصيل النقاشات الجارية في الولايات المتحدة حول مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا والعراق، داعيا الى تحديد "تفاهم واقعي" بين بغداد وواشنطن، والى موقف "أخلاقي" من جانب الأمريكيين ازاء الكورد في سوريا، مستبعدا في الوقت نفسه أن يجري انسحاب فيما قبل الانتخابات الامريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر، لكن الرئيس جو بايدن قد يسحب الجنود الأمريكيين من سوريا بعد الانتخابات. وفي حال عاد الرئيس السابق دونالد ترامب الى الرئاسة، فإن هذا الانسحاب يكاد يكون مؤكداً.
وأشار التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أنه عقدت خلال الأسابيع الاخيرة اجتماعات في واشنطن وبغداد حول وجود القوات الاميركية في العراق وسوريا. مضيفا أنه بينما لا تريد الولايات المتحدة أن تظهر بمظهر الهارب، فإنه بعد ردها العسكري القوي في وقت سابق من شباط/فبراير الحالي وتوقف الهجمات ضدها مؤقتا، فإن النقاشات الجارية في العاصمتين الامريكية والعراقية تشير إلى أن واشنطن ربما تخطط للانسحاب النهائي.
وبعدما لفت التقرير الى الشراكة القائمة بين الولايات المتحدة والكورد السوريين، والى موقف ترامب في العام 2019 حول السعي للانسحاب من شمال شرق سوريا، ما أثار انتقادات واسعة من جماعات حقوق الإنسان وأعضاء الكونجرس الأمريكي، بما في ذلك المرشح الرئاسي وقتها جو بايدن ترامب الذي قال انه انسحاب "مخزي"، إلا انه قال ان ترامب لم يسحب جميع الجنود الامريكيين من شرق سوريا كما كان يعتزم، الا ان الولايات المتحدة خفضت خلال رئاسته عدد قواتها هناك من حوالي 2000 الى 900 جندي.
وبالتالي، اعتبر التقرير أن انتخاب بايدن في العام 2020 كان مطمئنا للكورد السوريين، وهو لاسباب من بينها تعاطفه الطويل مع الشعب الكوردي، وانتقاده لنهج ترامب، وتعهده بإبقاء الجنود الأمريكيين الـ900 في الشرق السوري. وتابع ان تركيا شنت مئات الهجمات ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية. واضاف ان وجود القوات الأمريكية هو الشيء الوحيد الذي يعيق التوغل التركي الكامل جنوبا داخل سوريا.
البنتاغون.. اجتماع 18 يناير
وتطرق التقرير الى ما يجري في واشنطن وقال انه بلا علم الكورد، عقد مجلس الامن القومي الامريكي في 18 كانون الثاني/يناير الماضي، اجتماعا موسعا مع الوكالات الامريكية المعنية، تتعلق بمستقبل وجود القوات الامريكية في شمال شرق سوريا، مضيفا أنه خلال اجتماع العمل هذا، والذي عقد بناء على طلب وزارة الدفاع، فإن البنتاغون طرح فكرة مفادها ان الكورد السوريين يجب أن ينخرطوا بشراكة مع النظام السوري في الحرب ضد داعش.
وتابع التقرير؛ أنه برغم لم يتم اتخاذ اي قرار، الا انه من المقرر أن يتم عقد اجتماع متابعة على مستوى رفيع قريبا. واضاف التقرير ان اجتماع 18 كانون الثاني، يشير الى ان اطراف في الحكومة الامريكية يبحثون عن طرق لسحب القوات الامريكية من سوريا.
وبعدما ذكر التقرير بموقف قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي عندما علم بهذا الاجتماع، قائلا انه "مذهول وليس قادرا على فهم السبب وراء هذه الخطة الفاسدة"، اعتبر التقرير الامريكي انه من غير المرجح أن تدعم ادارة بايدن سحب القوات الامريكية من سوريا قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني، لأن مشهد تخلي واشنطن عن الكورد السوريين يمكن أن يذكر بالانسحاب الامريكي الكارثي من افغانستان في العام 2021.
ومع ذلك، قال التقرير انه من الممكن إن يتمكن بايدن من سحب الجنود الأمريكيين بعد الانتخابات، مضيفا انه في حال عاد ترامب الى الرئاسة، فإن هذا الانسحاب يمكن أن يكون مؤكدا.
أسباب الانسحاب
وفيما يتعلق بالأسباب، قال التقرير إن رغبة بايدن برغم انها قد تكون في إطار التكهنات، الا انا قد تكون مرتبطة بعدة عوامل، احداها ان القوات الامريكية وقواعدها قد أصبحت أهدافا مناسبة للميليشيات الموالية لإيران لشن هجمات عليها، بالاضافة الى ان شبح حرب أكثر اتساعا بين الولايات المتحدة وإيران، يجعل من هذا الوجود الأميركي أكثر خطورة.
الى جانب ذلك، قال التقرير إن إدارة بايدن ربما تميل باتجاه كسب تأييد تركيا، موضحا ان الانسحاب الامريكي من سوريا، ربما كان بمثابة مقايضة مقابل موقف تركيا الأخير بالموافقة على قبول عضوية السويد في حلف "الناتو".
وثالثا، قال التقرير إن إدارة بايدن ربما تعتقد ان نظام الاسد باق في السلطة خلال المستقبل المنظور، ولهذا، فإنه في حال لم يستمر الوجود العسكري الامريكي الى اجل غير محدد، فان الكورد قد يكونوا بحاجة الى التوصل الى نوع من التسوية مع النظام في دمشق، برغم انه التقارب مع دمشق قد يكون الخيار الأقل سهولة بالنسبة للكورد، مشيرا الى ان تركيا وايران وروسيا تعارض الحكم الذاتي للكورد في سوريا.
العراق بين طهران وواشنطن
وحول العراق، قال التقرير ان واشنطن برغم شكوكها الاولية المتعلقة برئيس الحكومة محمد شياع السوداني بسبب علاقاته مع الفصائل السياسية الموالية لإيران، إلا أن واشنطن صارت تعتبره أفضل البدائل لقيادة العراق. ولفت التقرير الى موقف السوداني المؤكد على اهمية مهمة التدريب العسكري الامريكي في العراق لمنع احتمال عودة داعش للسيطرة على الأراضي، مضيفا أن السوداني كان عليه التصرف بحذر لان معظم هذه الميليشيات هي جزء من قوات الحشد الشعبي التي تعمل تحت المظلة العسكرية العراقية وأدت دورا فعالا في محاربة داعش، بالاضافة الى ان حجم دور إيران في التسليح والتدريب والتجارة والغاز والسياحة.
وفي حين لفت التقرير الى ان اجتماعات بدأت منذ اب/ اغسطس 2023 بين المسؤولين العراقيين والأمريكيين في إطار "اللجنة العسكرية العليا الأمريكية" اشار الى ان هذه الاجتماعات اكتسبت اهمية اكبر بعد اندلاع حرب غزة، وتصاعد المواجهات بين القوات الامريكية والفصائل العراقية. وتابع التقرير أنه من المفترض ان تضع هذه الاجتماعات جدولا زمنيا "لتحديد مدة تواجد مستشاري التحالف الدولي في العراق".
واضاف التقرير انه برغم ان مسؤولا عسكريا أمريكياً قال لصحيفة "واشنطن بوست" الامريكية إن توقيت هذه الاجتماعات "لا علاقة له بالهجمات الأخيرة التي شنتها الميليشيات"، الا انه من الصعب تصديق ان الأمرين غير مرتبطين. واشار التقرير ان الضربات الانتقامية الامريكية شجعت شرائح من الشعب العراقي على المطالبة بانسحاب كافة القوات الاميركية، وان السوداني يسير على حبل مشدود، وهو ادان الضربات الامريكية، الا انه
يدرك ان الامكانات العسكرية للعراق ليست على المستوى المطلوب ويعتبر أن داعش يمثل تهديدا مستمرا، ويريد بالتالي أن تستمر مهمة التدريب العسكري الأمريكي.
طهران تتلقى الرسالة
وذكر التقرير ان ايران برغم ادعائها بأنها لا تسيطر على الميليشيات في العراق، الا ان ايران كان لها تأثيرها على هذه الفصائل لكي تتوقف عن توجيه المزيد من الضربات ضد الولايات المتحدة في الوقت الحالي. واضاف انه من المرجح أن واشنطن وجهت رسالة الى طهران مفادها ان ايران نفسها قد تكون الهدف التالي، مشيرا الى ان المسؤولين الإيرانيين يشعرون بالقلق من أن ضربة اميركية لبلادهم قد تتسبب بزعزعة استقرار النظام، وهم يدركون أن إمكاناتهم العسكرية لا تضاهي إمكانيات الولايات المتحدة.
وتابع التقرير ان "السبب الاخر الذي دفع إيران للضغط على هذه الميليشيات للتوقف، هو انها ترغب بان تستمر المحادثات الأمريكية - العراقية حول انسحاب القوات الامريكية بطريقة منظمة"، مضيفا ان هدف ايران النهائي هو الحد من الوجود الأمريكي في المنطقة، فإذا لم تتمكن من القيام بذلك بالعنف، فربما ترى أن السماح للدبلوماسية بأن تنجح، هو الخيار الأفضل التالي".
وبحسب التقرير الامريكي فان الدعم اللوجستي للوجود العسكري الامريكي في سوريا يمر عبر العراق، ولهذا فانه في حال سحبت الولايات المتحدة جنودها البالغ عددهم 2500 من العراق، فإنه من المحتمل أن يتبعهم جنودها الـ900 في سوريا.
خاتمة
وذكر التقرير انه برغم ان الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا، عمدت الى استغلال الحرب بين اسرائيل وحماس من اجل ان تحقق اجندتها، إلا انه يتحتم على واشنطن أن تدرك إن دعمها غير المشروط للحرب الاسرائيلية على غزة، والتي تسببت في مقتل أكثر من 29 ألف فلسطيني، قد أدى إلى تفاقم المشكلة، وساهم في زعزعة الاستقرار على نطاق أوسع في المنطقة". واعرب التقرير عن الامل ان تؤدي دعوة واشنطن الى وقف دائم لاطلاق النار في غزة، الى إنهاء هذا الكابوس الإنساني وحرمان الميليشيات من فرصة استغلالها.
أما فيما يتعلق بوجود القوات الأمريكية في سوريا والعراق، فقد قال التقرير انه ليس بامكان الولايات المتحدة
أن تبقى في هذين البلدين الى اجل غير مسمى، إلا أنه يتحتم عليها ان تجري اي انسحاب، بطريقة حكيمة. وتابع التقرير ان "الولايات المتحدة لديها التزام اخلاقي تجاه الكورد السوريين، الذين تدين لهم بالكثير في الحرب ضد داعش".
ورأى التقرير أن الاكتفاء بالقول ببساطة بان على الكورد التوصل الى تسوية مع نظام الأسد، أمر غير كاف ولا مسؤول، ويتحتم على واشنطن أن توضح للحكومة التركية بان الانسحاب الامريكي لا ينبغي ان يكون اشارة لانقرة لكي تتحرك جنوبا لتدمير كيان الادارة الذاتية لشمال وشرق سوريا".
وحول العراق، قال التقرير انه يتحتم على المسؤولين الاميركيين والعراقيين ان يتوصلوا الى "تفاهم واقعي"حول الموعد الذي لن يعود فيه الجيش العراقي بحاجة الى التدريبات الأمريكية المتعلقة بمكافحة خلايا داعش من دون دعم الولايات المتحدة، موضحا أن العنصر الدافع وراء أي انسحاب من العراق يجب ان يكون من خلال تحديد القدرات العسكرية، حتى وإن كان للسياسة تدخلها في هذا القرار.
ترجمة: وكالة شفق نيوز